الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٦٣
وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق. ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب. يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب. وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب. أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم
____________________
وأنتم تقولون مثل ذلك فلا معنى لإنكاركم (وكذلك أنزلناه) ومثل ذلك الإنزال أنزلناه مأمورا فيه بعبادة الله وتوحيده والدعوة إليه وإلى دينه والإنذار بدل الجزاء (حكما عربيا) حكمة عربية مترجمة بلسان العرب وانتصابه على الحال. كانوا يدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمور يوافقهم عليها: منها أن يصلي إلى قبلتهم بعد ما حوله الله عنها، فقيل له: لئن تابعتهم على دين ما هو إلا أهواء وشبه بعد ثبوت العلم عندك بالبراهين والحجج القاطعة، خذلك الله فلا ينصرك ناصر وأهلكك فلا يقيك منه واق. وهذا من باب الإلهاب والتهييج والبعث للسامعين على الثبات في الدين والتصلب فيه، وأن لا يزل زال عند الشبهة بعد استمساكه بالحجة، وإلا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة الشكيمة بمكان كانوا يعيبونه بالزواج والولاد كما كانوا يقولون - ما لهذا الرسول يأكل الطعام - وكانوا يقترحون عليه الآيات وينكرون النسخ، فقيل: كان الرسل قبله بشرا مثله ذوي أزواج وذرية، وما كان لهم أن يأتوا بآيات برأيهم ولا يأتون بما يقترح عليهم. والشرائع مصالح تختلف باختلاف الأحوال والأوقات، فلكل وقت حكم يكتب على العباد: أي يفرض عليهم على ما يقتضيه استصلاحهم (يمحو الله ما يشاء) ينسخ ما يستصوب نسخه ويثبت بدله ما يرى المصلحة في إثباته أو يتركه غير منسوخ. وقيل يمحو من ديوان الحفظة ما ليس بحسنة ولا سيئة، لأنهم مأمورون بكتبة كل قول وفعل (ويثبت) غيره، وقيل يمحو كفر التائبين ومعاصيهم بالتوبة ويثبت إيمانهم وطاعتهم، وقيل يمحو بعض الخلائق ويثبت بعضا من الأناسي وسائر الحيوان والنبات والأشجار وصفاتها وأحوالها والكلام في نحو هذا واسع المجال (وعنده أم الكتاب) أصل كل كتاب وهو اللوح المحفوظ لأن كل كائن مكتوب فيه. وقرئ ويثبت (وإن ما نرينك) وكيفما دارت الحال أريناك مصارعهم وما وعدناهم من إنزال العذاب عليهم أو توفيناك قبل ذلك، فما يجب عليك إلا تبليغ الرسالة فحسب، وعلينا لا عليك حسابهم وجزاؤهم على أعمالهم، فلا يهمنك إعراضهم ولا تستعجل بعذابهم (أو لم يروا أنا نأتي الأرض) أرض الكفر (ننقصها من أطرافها) بما نفتح على المسلمين من بلادهم فننقص دار الحرب ونزيد في دار الإسلام وذلك من آيات النصرة والغلبة، ونحوه - أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون - - سنريهم آياتنا في الآفاق - والمعنى: عليك بالبلاغ الذي حملته ولا تهتم بما وراء ذلك، فنحن نكفيكه ونتم ما وعدناك من الظفر، ولا يضجرك تأخره فإن ذلك لما نعلم من المصالح التي لا تعلمها، ثم طيب نفسه ونفس عنها
(٣٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 358 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 ... » »»