الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٧٠
بسلطان مبين. قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون. وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون. وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين. ولنسكننكم الأرض من
____________________
جنس أفضل منهم وهم الملائكة (بسلطان مبين) بحجة بينة، وقد جاءتهم رسلهم بالبينات والحجج، وإنما أرادوا بالسلطان المبين آية قد اقترحوها تعنتا ولجاجا (إن نحن إلا بشر مثلكم) تسليم لقولهم وأنهم بشر مثلهم، يعنون أنهم مثلهم في البشرية وحدها، فأما ما وراء ذلك فما كانوا مثلهم، ولكنهم لم يذكروا فضلهم تواضعا منهم واقتصروا على قولهم (ولكن الله يمن على من يشاء من عباده) بالنبوة لأنه قد علم أنه لا يختصهم بتلك الكرامة إلا وهم أهل لاختصاصهم بها لخصائص فيهم قد استؤثروا بها على أبناء جنسهم (إلا بإذن الله) أرادوا أن الإتيان بالآية التي اقترحتموها ليس إلينا ولا في استطاعتنا وما هو إلا أمر يتعلق بمشيئة الله (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) أمر منهم للمؤمنين كافة بالتوكل، وقصدوا به أنفسهم قصدا أوليا وأمروها به كأنهم قالوا: ومن حقنا أن نتوكل على الله في الصبر على معاندتكم ومعاداتكم وما يجري علينا منكم، ألا ترى إلى قوله (وما لنا ألا نتوكل على الله) ومعناه:
وأي عذر لنا في أن لا نتوكل عليه (وقد هدانا) وقد فعل بنا ما يوجب توكلنا عليه وهو التوفيق لهداية كل واحد منا سبيله الذي يجب عليه سلوكه في الدين. فإن قلت: كيف كرر الأمر بالتوكل؟ قلت: الأول استحداث التوكل، وقوله (فليتوكل المتوكلون) معناه: فليثبت المتوكلون على ما استحدثوا من توكلهم وقصدهم إلى أنفسهم على ما تقدم (لنخرجنكم - أو لتعودن) ليكونن أحد الأمرين لا محالة، إما إخراجكم وإما عودكم حالفين على ذلك.
فإن قلت: كأنهم كانوا على ملتهم حتى يعودوا فيها. قلت: معاذ الله، ولكن العود بمعنى الصيرورة، وهو كثير في كلام العرب كثرة فاشية لا تكاد تسمعهم يستعملون صار: ولكن عاد ما عدت أراه، عاد لا يكلمني، ما عاد لفلان مال، أو خاطبوا به كل رسول ومن آمن به، فغلبوا في الخطاب الجماعة على الواحد (لنهلكن الظالمين) حكاية تقتضي إضمار القول أو إجراء الإيحاء مجرى القول لأنه ضرب منه. وقرأ أبو حياة ليهلكن وليسكننكم بالياء اعتبارا لأوحى، وأن لفظه لفظ الغيبة ونحوه قولك: أقسم زيد ليخرجن ولأخرجن. والمراد
(٣٧٠)
مفاتيح البحث: الظلم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 365 366 367 368 369 370 371 372 373 374 375 ... » »»