الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٣٥
الظالمين. فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم. قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل
____________________
المحرم جزاء صيد المحرم، ثم يقول: ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم (فبدأ بأوعيتهم) قيل قال لهم من وكل بهم لابد من تفتيش أوعيتكم، فانصرف بهم إلى يوسف، فبدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء بنيامين لنفى التهمة حتى بلغ وعاءه فقال: ما أظن هذا أخذ شيئا، فقالوا: والله لا نتركه حتى تنظر في رحله فإنه أطيب لنفسك وأنفسنا فاستخرجوه منه: وقرأ الحسن وعاء أخيه بضم الواو وهى لغة. وقرأ سعيد بن جبير إعاء أخيه بقلب الواو همزة. فإن قلت: لم ذكر ضمير الصواع مرات ثم أنثه؟ قلت: قالوا ارجع بالتأنيث على السقاية، أو أنث الصواع لأنه يذكر ويؤنث، ولعل يوسف كان يسميه سقاية وعبيده صواعا، فقد وقع فيما يتصل به من الكلام سقاية وفيما يتصل بهم منه صواعا (كذلك كدنا) مثل ذلك الكيد العظيم كدنا (ليوسف) يعنى علمناه إياه وأوحينا به إليه (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) تفسير للكيد وبيان له، لأنه كان في دين ملك مصر، وما كان يحكم به السارق أن يغرم مثل ما أخذ لا أن يلزم ويستعبد (إلا أن يشاء الله) أي ما كان يأخذه إلا بمشيئته الله وإذنه فيه (نرفع درجات من نشاء) في العلم كما رفعنا درجة يوسف فيه وقرئ يرفع بالياء ودرجات بالتنوين (وفوق كل ذي علم عليم) فوقه أرفع درجة منه في علمه، أو وفوق العلماء كلهم عليم هم دونه في العلم وهو الله عز وعلا. فإن قلت: ما أذن لله فيه يجب أن يكون حسنا، فمن أي وجه حسن هذا الكيد وما هو إلا بهتان وتسريق لمن لم يسرق وتكذيب لمن لم يكذب وهو قوله - إنكم لسارقون فما جزاؤه إن كنتم كاذبين -. قلت: هو في صورة البهتان وليس ببهتان في الحقيقة، لأن قوله إنكم لسارقون تورية عما جرى مجرى السرقة من فعلهم بيوسف وقيل كان ذلك القول من المؤذن لامن يوسف، وقوله - إن كنتم كاذبين - فرض لانتفاء براءتهم، وفرض التكذيب لا يكون تكذيبا، على أنه لو صرح لهم بالتكذيب كما صرح لهم بالتسريق لكان له وجه، لأنهم كانوا كاذبين في قولهم - وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب - هذا وحكم هذا الكيد حكم الحيل الشرعية التي يتوصل بها إلى مصالح ومنافع دينية كقوله تعالى لأيوب عليه السلام - وخذ بيدك ضغثا - ليتخلص من جلدها ولا يحنث، وكقول إبراهيم عليه السلام (هي أختي) لتسلم من يد الكافر، وما الشرائع كلها إلا مصالح وطرق إلى التخلص من الوقوع في المفاسد، وقد أعلم الله تعالى في هذه الحيلة التي لقنها يوسف مصالح عظيمة فجعلها سلما وذريعة إليها فكانت حسنة جميلة، وانزاحت عنها وجوه القبح لما ذكرنا (أخ له) أرادوا يوسف، روى أنهم لما استخرجوا الصاع من رحل بنيامين نكس إخوته رؤوسهم حياء وأقبلوا عليه وقالوا له: ما الذي صنعت، فضحتنا وسودت وجوهنا، يا بني راحيل ما يزال لنا منكم بلاء متى أخذت هذا الصاع؟ فقال: بنو راحيل الذين لا يزال منكم عليهم البلاء، ذهبتم بأخي فأهلكتموه، ووضع هذا الصواع في رحلي الذي وضع البضاعة في رحالكم.
واختلف فيما أضافوا إلى يوسف من السرقة فقيل: كان أخذ في صباه صنما لجده أبى أمه فكسره وألقاه بين الجيف في الطريق. وقيل دخل كنيسة فأخذ تمثالا صغيرا من ذهب كانوا يعبدونه فدفنه، وقيل كانت في المنزل عناق
(٣٣٥)
مفاتيح البحث: الظلم (1)، السرقة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 330 331 332 333 334 335 336 337 338 339 340 ... » »»