الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٣٦
فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون.
قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين.
قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون. فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل
____________________
أو دجاجة فأعطاها السائل. وقيل كانت لإبراهيم عليه السلام منطقة يتوارثها أكابر ولده فورثها إسحاق، ثم وقعت إلى ابنته وكانت أكبر أولاده فحضنت يوسف وهى عمته بعد وفاة أمه، وكانت لاتصبر عنه، لما شب أراد يعقوب أن ينتزعه منها فعمدت إلى المنطقة فحزمتها على يوسف تحت ثيابه وقالت: فقدت منطقة إسحاق فانظروا من أخذها، فوجدوها محزومة على يوسف، فقالت: إنه لي سلم أفعل به ما شئت، فخلاه يعقوب عندها حتى ماتت (فأسرها) إضمار على شريطة التفسير تفسيره (أنتم شر مكانا) وإنما أنت لأن قوله - أنتم شر مكانا جملة أو كلمة على تسميتهم الطائفة من الكلام كلمة كأنه قيل: فأسر الجملة أو الكلمة التي هي قوله أنتم شر مكانا -، والمعنى:
قال في نفسه أنتم شر مكانا، لأن قوله قال أنتم شر مكانا بدلا من أسرها. وفى قراءة ابن مسعود: فأسره على التذكير يريد القول أو الكلام، ومعنى أنتم شر مكانا: أنتم شر منزلة في السرق لأنكم سارقون بالصحة لسرقتكم أخاكم من أبيكم (والله أعلم بما تصفون) يعلم أنه لم يصح لي ولا لأخي سرقة وليس الأمر كما تصفون. استعطفوه بإذكارهم إياه حق أبيهم يعقوب وأنه شيخ كبير السن أو كبير القدر، وأن بنيامين أحب إليه منهم وكانوا قد أخبروه بأن ولدا له قد هلك وهو عليه ثكلان وأنه مستأنس بأخيه (فخذ أحدنا مكانه) فخذه بدله على وجه الاسترهان أو الاستعباد (إنا نراك من المحسنين) إلينا، فأتمم إحسانك أو من عادتك الإحسان فاجر على عادتك ولا تغيرها (معاذ الله) هو كلام موجه ظاهره أنه وجب على قضية فتواكم أخذ من وجد الصواع في رحله واستعباده فلو أخذنا غيره كان ذلك ظلما في مذهبكم فلم تطلبوا ما عرفتم أنه ظلم؟ وباطنه أن الله أمرني وأوحى إلى بأخذ بنيامين واحتباسه لمصلحة أو لمصالح جمة علمها في ذلك، فلو أخذت غير من أمرني بأخذه كنت ظالما وعاملا على خلاف الوحي، ومعنى معاذ الله (أن نأخذ) نعوذ بالله معاذا من أن نأخذ، فأضيف المصدر إلى المفعول به وحذف من، و (إذا) جواب لهم وجزاء لأن المعنى إن أخذنا بدله ظلمنا (استيأسوا) يئسوا وزيادة السين والتاء في المبالغة نحو ما مر في استعصم. والنجى على معنيين: يكون بمعنى المناجى كالعشير والسمير بمعنى المعاشر والمسامر ومنه قول تعالى - وقربناه نجيا -، وبمعنى المصدر الذي هو التناجي كما قيل النجوى بمعناه، ومنه قيل قوم نجى كما قيل - وإذ هم نجوى - تنزيلا للمصدر منزلة الأوصاف، ويجوز أن يقال هم نجى كما قيل هم صديق لأنه بزنة المصادر وجمع أنجية، قال * إني إذا ما القوم كانوا أنجيه * ومعنى (خلصوا) اعتزلوا وانفردوا عن الناس خالصين لا يخالطهم سواهم (نجيا) ذوي نجوى أو فوجا نجيا: أي مناجيا لمناجاة بعضهم بعضا، وأحسن منه أنهم تمخضوا تناجيا لاستجماعهم لذلك وإفاضتهم فيه بجد واهتمام كأنهم في أنفسهم صورة التناجي وحقيقته، وكان تناجيهم في تدبير أمرهم على أي صفة يذهبون وماذا يقولون لأبيهم في شأن أخيهم، كقوم تعايوا بما دهمهم من الخطب فاحتاجوا إلى التشاور (كبيرهم) في السن وهو روبيل، وقيل رئيسهم وهو شمعون، وقيل كبيرهم
(٣٣٦)
مفاتيح البحث: العزّة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 331 332 333 334 335 336 337 338 339 340 341 ... » »»