الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٣٢
قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل. وقال يا بنى لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة
____________________
إليه الملك ولا يضايقنا فيه، أو سهل عليه متيسر لا يتعاظمه. ويجوز أن يكون من كلام يعقوب وأن حمل بعير واحد شئ يسير لا يخاطر لمثله بالولد كقوله ذلك - ليعلم - (لن أرسله معكم) مناف لحالي وقد رأيت منكم ما رأيت إرساله معكم (حتى تؤتون موثقا من الله) حتى تعطوني ما أتوثق به من عند الله، أراد أن يحلفوا له بالله، وإنما جعل الحلف بالله موثقا منه لأن الحلف به مما تؤكد به العهود وتشدد، وقد أذن الله في ذلك فهو إذن منه (لتأتنني به) جواب اليمين لأن المعنى: حتى تحلفوا لتأتنني به (إلا أن يحاط بكم) إلا أن تغلبوا فلا تطيقوا الإتيان به أو إلا أن تهلكوا. فإن قلت: أخبرني عن حقيقة هذا الاستثناء ففيه إشكال. قلت: أن يحاط مفعول له، والكلام المثبت الذي هو قوله لتأتنني به في تأويل النفي، معناه: لا تمتنعون من الإتيان به إلا للإحاطة بكم: أي لا تمتنعون منه لعلة من العلل إلا لعلة واحدة وهى أن يحاط بكم، فهو استثناء من أعم العام في المفعول له، والاستثناء من أعم العام لا يكون إلا في النفي وحده، فلا بد من تأويله بالنفي، ونظيره من الإثبات المتأول بمعنى النفي قولهم: أقسمت بالله لما فعلت وإلا فعلت، تريد ما أطلب منك إلا الفعل (على ما نقول) من طلب الموثق وإعطائه (وكيل) رقيب مطلع. وإنما نهاهم أن يدخلوا من باب واحد لأنهم كانوا ذوي بهاء وشارة حسنة، اشتهرهم أهل مصر بالقربة عند الملك والتكرمة الخاصة التي لم تكن لغيرهم فكانوا مظنة لطموح الأبصار إليهم من بين الوفود، وإن يشار إليهم بالأصابع ويقال هؤلاء أضياف الملك، انظروا إليهم ما أحسنهم من فتيان وما أحقهم بالإكرام، لأمر ما أكرمهم الملك وقربهم وفضلهم على الوافدين عليه، فخاف لذلك أن يدخلوا كوكبة واحدة فيعانوا لجمالهم
(٣٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 327 328 329 330 331 332 333 334 335 336 337 ... » »»