الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٣٩
فهو كظيم. قالوا تالله تفتؤا تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين.
قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله
____________________
سواد العين وقلبته إلى بياض كدر. وقيل قد عمى بصره، وقيل كان يدرك إداركا ضعيفا. قرئ من الحزن، ومن الحزن، الحزن كان سبب البكاء الذي حدث منه البياض، فكأنه حدث من الحزن، قيل ما جفت عينا يعقوب من وقت فراق يوسف إلى حين لقائه ثمانين عاما، وما على وجه الأرض أكرم على الله من يعقوب. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه سأل جبريل عليه السلام ما بلغ من وجد يعقوب على يوسف؟ قال: وجد سبعين ثكلى، قال: فما كان له من الأجر؟ قال: أجر مائه شهيد، وما ساء ظنه بالله ساعة قط). فإن قلت: كيف جاز لنبي الله أن يبلغ به الجزع ذلك المبلغ؟ قلت: الإنسان مجبور على أن لا يملك نفسه عند الشدائد من الحزن، ولذلك حمد صبره وأن يضبط نفسه حتى لا يخرج إلى مالا يحسن. ولقد بكى رسول الله صلى الله عيله وسلم على ولده إبراهيم وقال (القلب يجزع، والعين تدمع، ولا نقول ما يسخط الرب، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون) وإنما الجزع المذموم ما يقع من الجهلة من الصياح والنياحة والطم الصدور والوجوه وتمزيق الثياب. وعن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه بكى على ولد بعض بناته وهو يجود بنفسه، فقيل: يا رسول الله تبكى وقد نهيتنا عن البكاء؟ فقال:
ما نهيتكما عن البكاء، وإنما نهيتكم عن صوتين أحمقين: صوت عند الفرح، وصوت عند الترح). وعن الحسن (أنه بكى على ولد أو غيره فقيل له في ذلك، فقال: ما رأيت الله جعل الحزن عارا على يعقوب) (فهو كظيم) فهو مملوء من الغيظ على أولاده ولا يظهر ما يسوءهم فعيل بمعنى مفعول بدليل قوله - وهو مكظوم - من كظم السقاء إذا شده على ملئه، والكظم بفتح الظاء مخرج النفس، يقال أخذنا كظامه (تفتؤ) أراد لا تفتؤ، فحذف حرف النفي لأنه لا يلتبس بالإثبات، لأنه لو كان إثباتا لم يكن بد من اللام والنون ونحوه * * فقلت يمين الله أبرح قاعدا * ومعنى لا تفتأوا: لا تزال. وعن مجاهد: لا تفتر من حبه، كأنه جعل الفتوء والفتور أخوين، يقال ما فتى يفعل، قال أوس:
فما فتئت خيل تثوب وتدعى ويلحق منها لاحق وتقطع (حرصا) مشفيا على الهلاك مرضا وأحرضه المرض، ويستوى فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث لأنه مصدر، والصفة حرض بكسر الراء ونحوهما دنف ودنف، وجاءت القراءة بهما جميعا، وقرأ الحسن حرضا بضمتين ونحوه في الصفات رجل جنب وغرب. البث: أصعب الهم الذي لا يصير عليه صاحبه فيبثه إلى الناس: أي ينشره، ومنه باثه أمره وأبثه إياه. ومعنى (إنما أشكوا) أنى لا أشكوا إلى أحد منكم ومن غيركم، إنما أشكوا إلى ربى داعيا له وملتجئا إليه فخلوني وشكايتي، وهذا معنى توليه عنهم: أي فتولى عنهم إلى الله والشكاية إليه. وقيل دخل على
(٣٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 334 335 336 337 338 339 340 341 342 343 344 ... » »»