____________________
وجلالة أمرهم في الصدور فيصيبهم ما يسوءهم، ولذلك لم يوصهم بالتفرق في الكرة الأولى لأنهم كانوا مجهولين مغمورين بين الناس. فإن قلت: هل للإصابة بالعين وجه تصح عليه؟ قلت: يجوز أن يحدث الله عز وجل عند النظر إلى الشئ والإعجاب به نقصانا فيه وخللا من بعض الوجوه، ويكون ذلك ابتلاء من الله وامتحانا لعباده ليتميز المحققون من أهل الحشو، فيقول المحقق هذا فعل الله، ويقول الحشوي هو أثر العين كما قال تعالى - وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا - الآية. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعوذ الحسن والحسين فيقول (أعيذكما بكلمات الله التامة من كل عين لامة، ومن كل شيطان وهامة) (وما أغنى عنكم من الله من شئ) يعنى إن أراد الله بكم سوءا لم ينفعكم ولم يدفع عنكم ما أشرت به عليكم من التفريق وهو مصيبكم لا محالة (إن الحكم إلا لله) ثم قال (ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم) أي متفرقين (ما كان يغنى عنهم) رأى يعقوب ودخولهم متفرقين شيئا قط، حيث أصابهم ما ساءهم مع تفريقهم من إضافة السرقة إليهم وافتضاحهم بذلك، وأخذ أخيهم بوجدان الصواع في رحله وتضاعف المصيبة على أبيهم (إلا حاجة) استثناء منقطع على معنى: ولكن حاجة (في نفس يعقوب قضاها) وهى شفقته عليهم وإظهارها بما قاله لهم ووصاهم به (وإنه لذو علم) يعنى قوله - وما أغنى عنكم وعلمه بأن القدر لا يغنى عنه الحذر (آوى إليه أخاه) ضم إليه بنيامين. وروى أنهم قالوا له: أخونا قد جئناك به، فقال لهم: أحسنتم وأصبتم وستجدون ذلك عندي، فأنزلهم وأكرمهم ثم أضافهم وأجلس كل اثنين منهم على مائدة، فبقى بنيامين وحده فبكى وقال: لو كان أخي يوسف حيا لأجلسني معه: فقال يوسف: بقى أخوكم وحيدا فأجلسه معه على مائدته وجعل يواكله وقال: أنتم عشرة فلينزل كل اثنين منكم بيتا، وهذا لا ثاني له فيكون معي، فبات يوسف يضمه إليه ويشم رائحته حتى أصبح وسأله عن ولده فقال: لي عشرة بنين اشتققت أسماءهم من اسم أخ لي هلك، فقال له: أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك؟ قال: من يجد أخا مثلك، ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل، فبكى يوسف وقام إليه وعانقه وقال له (إني أنا أخوك) يوسف (فلا تبتئس) فلا تحزن (بما كانوا يعملون) بنا فيما مضى فإن الله قد أحسن إلينا وجعلنا على خير ولا تعلمهم بما أعلمتك. وعن ابن عباس تعرف إليه. وعن وهب إنما قال له أنا أخوك بدل أخيك المفقود فلا تبتئس بما كنت تلقى منهم من الحسد والأذى فقد أمنتهم. وروى أنه قال له: فأنا لا أفارقك، قال: قد علمت اغتمام والدي بي، فإذا حبستك ازداد غمه ولا سبيل إلى ذلك إلا أن أنسبك إلى مالا يجمل، قال: لا أبالى فافعل ما بدا لك، قال: