الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٤٦
وهم يمكرون. وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين. وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين. وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون. وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون. أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون. قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين. وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل
____________________
ولا سمع منه، ولم يكن من علم قومه، فإذا أخبر به وقص هذا القصص العجيب الذي أعجز حملته ورواته لم تقع شبهة في أنه ليس منه وأنه من جهة الوحي، فإذا أنكروه تهكم بهم وقيل لهم: قد علمتم يا مكابرة أنه لم يكن مشاهدا لمن مضى من القرون الخالية ونحوه - وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر - (وهم يمكرون) بيوسف ويبغون له الغوائل (وما أكثر الناس) يريد العموم كقوله - ولكن أكثر الناس لا يؤمنون -. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ما أراد أهل مكة وما هم بمؤمنين (ولو حرصت) وتهالكت على إيمانهم لتصميمهم على الكفر وعنادهم (وما تسألهم) على ما تحدثهم به وتذكرهم أن ينيلوك منفعة وجدوى كما يعطى حملة الأحاديث والأخبار (إن هو إلا ذكر) عظة من الله (للعالمين) عامة وحث على طلب النجاة على لسان رسول من رسله (من آية) من علامة ودلالة على الخالق وعلى صفاته وتوحيده (يمرون عليها) ويشاهدونها وهم معرضون عنها لا يعتبرون بها. وقرئ والأرض بالرفع على الابتداء، ويمرون عليها خبره. وقرأ السدى والأرض بالنصب على ويطئون الأرض يمرون عليها. وفى مصحف عبد الله والأرض يمشون عليها برفع الأرض، والمراد ما يرون من آثار الأمم الهالكة وغير ذلك من العبر (وما يؤمن أكثرهم) في إقراره بالله وبأنه خلقه وخلق السماوات والأرض إلا هو مشرك بعبادته الوثن. وعن الحسن: هم أهل الكتاب معهم شرك وإيمان. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هم الذين يشبهون الله بخلقه (غاشية) نقمة تغشاهم، وقيل ما يغمرهم من العذاب ويجللهم، وقيل الصواعق (هذه سبيلي) هذه السبيل التي هي الدعوة إلى الإيمان والتوحيد سبيلي، والسبيل والطريق يذكران ويؤنثان، ثم فسر سبيلة بقوله (ادعوا إلى الله على بصيرة) أي ادعوا إلى دينه مع حجة واضحة غير عمياء، و (أنا) تأكيد للمستتر في ادعوا (ومن اتبعني) عطف عليه، يريد ادعوا إليها أنا ويدعو إليها من اتبعني. ويجوز أن يكون أنا مبتدأ، وعلى بصيرة خبرا مقدما، ومن اتبعني عطفا على أنا إخبارا مبتدأ بأنه ومن اتبعه على حجة وبرهان لا على هوى.
ويجوز أن يكون على بصيرة حالا من أدعو عاملة الرفع في أنا ومن اتبعني (وسبحان الله) وأنزهه من الشركاء (إلا رجالا) لا ملائكة لأنهم كانوا يقولون - لو شاء ربنا لأنزل ملائكة - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: يريد ليست فيهم امرأة، وقيل في سجاح المتنبئة * ولم تزل أنبياء الله ذكرانا * وقرئ نوحي إليهم بالنون (من أهل
(٣٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 341 342 343 344 345 346 347 348 349 350 351 ... » »»