الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٣١
نكتل وإنا له لحافظون. قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين. ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير.
____________________
قول يوسف - فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي - لأنهم إذا أنذروا بمنع الكيل فقد منع الكيل (نكتل) نرفع المانع من الكيل ونكتل من الطعام ما نحتاج إليه. وقرئ يكتل بمعنى يكتل أخونا فينضم اكتياله إلى اكتيالنا أو يكن سببا للاكتيال فإن امتناعه بسببه (هل آمنكم عليه) يريد أنكم قلتم في يوسف - وإنا له لحافظون - كما تقولونه في أخيه ثم خنتم بضمانكم، فما يؤمنني من مثل ذلك؟ ثم قال (فالله خير حافظا) فتوكل على الله فيه ودفعه إليهم، وحافظا تمييز كقولك: هو خيرهم رجلا ولله دره فارسا، ويجوز أن يكون حالا. وقرئ حفظا. وقرأ الأعمش فالله خير حافظ. وقرأ أبو هريرة خير الحافظين (وهو أرحم الراحمين) فأرجو أن ينعم على بحفظه ولا يجمع على مصيبتين. وقرئ ردت إلينا بالكسر: على أن كسرة الدال المدغمة نقلت إلى الراء كما في قيل وبيع. وحكى قطرب ضرب زيد على نقل كسرة الراء فيمن سكنها إلى الضاد (ما نبغي) للنفي: أي ما نبغي في القول وما نتزيد فيما وصفنا لك من إحسان الملك وإكرامه، وكانوا قالوا له: إنا قدمنا على خير رجل أنزلنا وأكرمنا كرامة لو كان رجلا من آل يعقوب ما أكرمنا كرامته، أو ما نبتغي شيئا وراء ما فعل بنا من الإحسان، أو على الاستفهام بمعنى أي شئ نطلب: وراء هذا؟ وفى قراءة ابن مسعود ما تبغى بالتاء على مخاطبة يعقوب، معناه: أي شئ تطلب وراء هذا من الإحسان أو من الشاهد على صدقنا؟ وقيل معناه: ما نريد منك بضاعة أخرى، وقوله (هذه بضاعتنا ردت إلينا) جملة مستأنفة موضحة لقوله ما نبغي، والجمل بعدها معطوفة عليها على معنى إن بضاعتنا ردت إلينا فنستظهر بها (ونميز أهلنا) في رجوعنا إلى الملك (ونحفظ أخانا) فما يصيبه شئ مما تخافه ونزداد باستصحاب أخينا وسق بعير زائدا على أوساق أباعرنا، فأي شئ نبتغي وراء هذه الباغي التي نستصلح بها أحوالنا ونوسع ذات أيدينا؟ وإنما قالوا (ونزداد كيل بعير) لما ذكرنا أنه كان لا يزيد للرجل على حمل بعير للتقسيط. فإن قلت: هذا إذا فسرت البغى بالطلب. فأما إذا فسرته بالكذب والتزيد في القول كانت الجملة الأولى وهى قوله - هذه بضاعتنا ردت إلينا - بيانا لصدقهم وانتفاء التزيد عن قيلهم، فما تصنع بالجمل البواقي؟
قلت: أعطفها على قوله ما نبغي على معنى: لا نبغي فيما نقول ونمير أهلنا ونفعل كيت وكيت. ويجوز أن يكون كلاما مبتدأ كقولك: وينبغي أن نمير أهلنا، كما تقول: سعيت في حاجة فلان واجتهدت في تحصيل غرضه، ويجب أن أسعى وينبغي لي أن لا أقصر. ويجوز أن يراد: ما نبغي وما ننطق إلا بالصواب فيما نشير به عليك من تجهيزنا مع أخينا، ثم قالوا: هذه بضاعتنا نستظهر بها ونمير أهلنا ونفعل ونصنع بيانا لأنهم لا يبغون في رأيهم وأنهم مصيبون فيه وهو وجه حسن واضح (ذلك كيل يسير) أي ذلك مكيل قليل لا يكفينا: يعنون ما يكال لهم، فأرادوا أن يزدادوا إليه ما يكال لأخيهم، أو يكون ذلك إشارة إلى كيل بعير: أي ذلك الكيل شئ قليل يجيبنا
(٣٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 326 327 328 329 330 331 332 333 334 335 336 ... » »»