____________________
فما وجه التوحيد؟ قلت: المراد بالأمر ما اتهم به من سم الملك وما صحبنا من أجله، وظنا أن ما رأياه في معنى ما انزل بهما، فكأنهما كانا يستفتيانه في الأمر الذي نزل بهما أعاقبته نجاة أم هلاك، فقال لهما: قضى الأمر الذي فيه تستفتيان: أي ما يجر إليه من العاقبة وهى هلاك أحدهما ونجاة الآخر، وقيل جحدا وقالا ما رأينا شيئا على ما روى أنهما تحالما له، فأخبرهما أن ذلك كائن صدقتما أو كذبتما (ظن أنه ناج) الظان هو يوسف إن كان تأويله بطريق الاجتهاد وإن كان بطريق الوحي فالظان هو الشرابي، أو يكون الظن بمعنى اليقين (اذكرني عند ربك) صفنى عند الملك بصفتي وقص عليه قصتي لعله يرحمني وينتاشني من هذه الورطة (فأنساه الشيطان) فأنسى الشرابي (ذكر ربه) أن يذكره لربه، وقيل فأنسى يوسف ذكر الله حين وكل أمره إلى غيره (بضع سنين) البضع ما بين الثلاث إلى التسع، وأكثر الأقاويل على أنه لبث فيه سبع سنين. فإن قلت: كيف يقدر الشيطان على الإنساء؟ قلت:
يوسوس إلى العبد بما يشغله عن الشئ من أسباب النسيان حتى يذهب عنه ويزل عن قلبه ذكره، وأما الإنساء ابتداء فلا يقدر عليه إلا الله عز وجل - ما ننسخ من آية أو ننسها -. فإن قلت: ما وجه إضافة الذكر إلى ربه إذا أريد به الملك، وما هي بإضافة المصدر إلى الفاعل ولا إلى المفعول؟ قلت: قد لابسه في قولك فأنساه الشيطان ذكره لربه أو عند ربه، فجازت إضافته إليه لأن الإضافة تكون بأدنى ملابسة، أو على تقدير: فأنساه الشيطان ذكر إخبار ربه، فحذف المضاف الذي هو الأخبار. فإن قلت: لم أنكر على يوسف الاستعانة بغير الله في كشف ما كان فيه وقد قال الله تعالى - وتعاونوا على البر والتقوى - وقل حكاية عن عيسى عليه السلام - من أنصاري إلى الله - وفى الحديث (الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه المسلم، من فرج عن مؤمن كربة فرج الله عنه كربة من كرب الآخرة) وعن عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأخذه النوم ليلة من الليالي، وكان يطلب من يحرسه حتى جاء سعد فسمعت غطيطه) وهل ذلك إلا مثل التداوي بالأدوية والتقوى بالأشربة والأطعمة، وإن كان ذلك لأن الملك كان كافرا فلا خلاف في جواز أن يستعان بالكفار في دفع الظلم والغرق والحرق ونحو ذلك من المضار؟ قلت كما اصطفى الله تعالى الأنبياء على خليقته فقد اصطفى لهم أحسن الأمور وأفضلها وأولاها، والأحسن والأولى بالنبي أن لا يكل أمره إذا ابتلى ببلاء إلا إلى ربه، ولا يعتضد إلا ربه، خصوصا إذا كان المعتضد به كافرا لئلا يشمت به الكفار ويقولوا: لو كان هذا على الحق وكان له رب يغيثه لما استغاث بنا. وعن الحسن: أنه كان يبكى إذا قرأها ويقول: نحن إذا نزل بنا أمر فزعنا إلى الناس. ولما دنا فرج يوسف رأى ملك مصر الريان بن الوليد رؤيا عجيبة هالته، رأى سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابس وسبع بقرات عجاف، فابتلعت العجاف السمان، ورأى سبع سنبلات خضر قد انعقد حبها وسبعا أخر يابسات قد استحصدت وأدركت، فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها، فاستعبرها فلم يجد في قومه من يحسن عبارتها (سمان) جمع سمين وسمينة وكذلك رجال ونسوة كرام. فإن قلت: هل من فرق بين إيقاع سمان صفة
يوسوس إلى العبد بما يشغله عن الشئ من أسباب النسيان حتى يذهب عنه ويزل عن قلبه ذكره، وأما الإنساء ابتداء فلا يقدر عليه إلا الله عز وجل - ما ننسخ من آية أو ننسها -. فإن قلت: ما وجه إضافة الذكر إلى ربه إذا أريد به الملك، وما هي بإضافة المصدر إلى الفاعل ولا إلى المفعول؟ قلت: قد لابسه في قولك فأنساه الشيطان ذكره لربه أو عند ربه، فجازت إضافته إليه لأن الإضافة تكون بأدنى ملابسة، أو على تقدير: فأنساه الشيطان ذكر إخبار ربه، فحذف المضاف الذي هو الأخبار. فإن قلت: لم أنكر على يوسف الاستعانة بغير الله في كشف ما كان فيه وقد قال الله تعالى - وتعاونوا على البر والتقوى - وقل حكاية عن عيسى عليه السلام - من أنصاري إلى الله - وفى الحديث (الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه المسلم، من فرج عن مؤمن كربة فرج الله عنه كربة من كرب الآخرة) وعن عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأخذه النوم ليلة من الليالي، وكان يطلب من يحرسه حتى جاء سعد فسمعت غطيطه) وهل ذلك إلا مثل التداوي بالأدوية والتقوى بالأشربة والأطعمة، وإن كان ذلك لأن الملك كان كافرا فلا خلاف في جواز أن يستعان بالكفار في دفع الظلم والغرق والحرق ونحو ذلك من المضار؟ قلت كما اصطفى الله تعالى الأنبياء على خليقته فقد اصطفى لهم أحسن الأمور وأفضلها وأولاها، والأحسن والأولى بالنبي أن لا يكل أمره إذا ابتلى ببلاء إلا إلى ربه، ولا يعتضد إلا ربه، خصوصا إذا كان المعتضد به كافرا لئلا يشمت به الكفار ويقولوا: لو كان هذا على الحق وكان له رب يغيثه لما استغاث بنا. وعن الحسن: أنه كان يبكى إذا قرأها ويقول: نحن إذا نزل بنا أمر فزعنا إلى الناس. ولما دنا فرج يوسف رأى ملك مصر الريان بن الوليد رؤيا عجيبة هالته، رأى سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابس وسبع بقرات عجاف، فابتلعت العجاف السمان، ورأى سبع سنبلات خضر قد انعقد حبها وسبعا أخر يابسات قد استحصدت وأدركت، فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها، فاستعبرها فلم يجد في قومه من يحسن عبارتها (سمان) جمع سمين وسمينة وكذلك رجال ونسوة كرام. فإن قلت: هل من فرق بين إيقاع سمان صفة