الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٤٤
فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين. ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربى حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربى
____________________
(فلما دخلوا على يوسف) قيل وجه يوسف إلى أبيه جهازا ومائتي راحلة ليتجهز إليه بمن معه، وخرج يوسف والملك في أربعة آلاف من الجند والعظماء وأهل مصر بأجمعهم، فتلقوا يعقوب وهو يمشى يتوكأ على يهوذا، فنظر إلى الخيل والناس فقال: يا يهوذا أهذا فرعون مصر؟ قال: لا هذا ولدك، فلما لقيه قال يعقوب عليه السلام:
السلام عليك يا مذهب الأحزان. وقيل إن يوسف قال له لما التقيا: يا أبت بكيت على حتى ذهب بصرك، ألم تعلم أن القيامة تجمعنا؟ فقال: بلى ولكن خشيت أن تسلب دينك فيحال بيني وبينك. وقيل إن يعقوب وولده دخلوا مصر وهم اثنان وسبعون ما بين رجل وامرأة، وخرجوا منها مع موسى ومقاتلتهم ستمائة ألف وخمسمائة وبضعة وسبعون رجلا سوى الذرية والهرمي وكانت ألف ألف ومائتي ألف (آوى إليه أبويه) ضمهما إليه واعتنقهما قال ابن أبي إسحاق: كانت أمة تحيا، وقيل هما أبوه وخالته ماتت أمه فتزوجها وجعلها أحد الأبوين، لأن الرابة تدعى إما لقيامها مقام الأم، أو لأن الخالة أم كما أن العم أب، ومنه قوله - وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق - فإن قلت: ما معنى دخولهم عليه قبل دخولهم مصر؟ قلت: كأنه حين استقبلهم نزل لهم في مضرب أو بيت ثم، فدخلوا عليه وضم إليه أبويه، ثم قال لهم (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين) ولما دخل مصر وجلس في مجلسه مستويا على سريره واجتمعوا إليه أكرم أبويه فرفعهما على السرير (وخروا له) يعنى الإخوة الأحد عشر والأبوين (سجدا) ويجوز أن يكون قد خرج في قبة من قباب الملوك التي تحمل على البغال، فأمر أن يرفع إليه أبواه، فدخلا عليه القبة فآواهما إليه بالضم والاعتناق وقربهما منه، وقال بعد ذلك ادخلوا مصر. فإن قلت: بم تعلقت المشيئة؟
قلت: بالدخول مكيفا بالأمن، لأن القصد إلى اتصافهم بالأمن في دخولهم، فكأنه قيل لهم: أسلموا وأمنوا في دخولكم إن شاء الله، ونظيره قولك للغازي: ارجع سالما غانما إن شاء الله، فلا تعلق المشيئة بالرجوع مطلقا ولكن مقيدا بالسلامة والغنيمة مكفيا بهما، والتقدير: ادخلوا مصر آمنين إن شاء الله دخلتم آمنين، ثم حذف الجزاء لدلالة الكلام عليه، ثم اعترض بالجملة الجزائية بين الحال وذي الحال، ومن بدع التفاسير أن قوله - إن شاء الله - من باب التقديم والتأخير، وأن موضعها ما بعد قوله - سوف أستغفر لكم ربى - في كلام يعقوب. وما أدرى ما أقول فيه وفى نظائره. فإن قلت: كيف جاز لهم أن يسجدوا لغير الله؟ قلت: كانت السجدة عندهم جارية مجرى التحية والتكريم كالقيام والمصافحة وتقبيل اليد ونحوها مما جرت عليه عادة الناس من أفعال شهرت في التعظيم والتوقير. وقيل ما كانت إلا انحناء دون تعفير الجباه وخرورهم سجدا يأباه. وقيل معناه: وخروا لأجل يوسف سجدا لله شكرا، وهذا أيضا فيه نبوة. يقال أحسن إليه وبه، وكذلك أساء إليه وبه، قال:
* أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة * (من البدو) من البادية لأنهم كانوا أهل عمد وأصحاب مواش ينتقلون في المياه والمناجع (نزغ) أفسد بيننا وأعرض، وأصله من نخس الرائض الدابة وحمله على الجري، يقل نزغه ونسغه: إذا
(٣٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 339 340 341 342 343 344 345 346 347 348 349 ... » »»