الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٢٨
إن ربى غفور رحيم. وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين. قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم.
____________________
الاعتذار مما كان منها، إن كل نفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربى، إلا نفسا رحمها الله بالعصمة كنفس يوسف (إني ربى غفور رحيم) استغفرت ربها واسترحمته مما ارتكبت. فإن قلت: كيف صح أن يجعل من كلام يوسف ولا دليل على ذلك؟ قلت: كفى بالمعنى دليلا قائدا إلى أن يجعل من كلامه ونحوه قوله - قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره - ثم قال - فماذا تأمرون - وهو من كلام فرعون يخاطبهم ويستشيرهم، وعن ابن جريج: هذا من تقديم القرآن وتأخيره ذهب إلى أن ذلك ليعلم متصل بقوله: فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن، ولقد لفقت المبطلة روايات مصنوعة، فزعموا أن يوسف حين قال أنى لم أخنه بالغيب، قال له جبريل: ولا حين هممت بها، وقالت له امرأة العزيز: ولا حين حللت تكة سراويلك يا يوسف؟
وذلك لتهالكهم على بهت الله ورسله. يقال استخلصه واستخصه إذا جعله خالصا لنفسه وخاصا به (فلما كلمه) وشاهد منه مالم يحتسب (قال) أيها الصديق (إنك اليوم لدينا مكين) ذو مكانة ومنزلة (أمين) مؤتمن على كل شئ. روى أن الرسول جاءه فقال: أجب الملك، فخرج من السجن ودعا لأهله: اللهم عطف عليهم قلوب الأخيار ولا تعم عليهم الأخبار، فهم أعلم الناس بالأخبار في الواقعات، وكتب على باب السجن: هذه منازل البلوى وقبور الأحياء وشماتة الأعداء وتجربة الأصدقاء. ثم اغتسل وتنظف من درن السجن ولبس ثيابا جددا، فلما دخل على الملك قال: اللهم إني أسألك بخيرك من خيره، وأعوذ بعزتك وقدرتك من شره، ثم سلم عليه ودعا له بالعبرانية، فقال: ما هذا اللسان؟ قال: لسان آبائي، وكان الملك يتكلم بسبعين لسانا فكلمه بها فأجابه بجميعها فتعجب منه وقال: أيها الصديق إني أحب أن أسمع رؤياي منك، فقال: رأيت بقرات فوصف لونهن وأحوالهن ومكان خروجهن، ووصف السنابل وما كان منها على الهيئة التي رآها الملك لا يخرم منها حرف، وقال له: من حقك أن تجمع الطعام في الأهراء، فيأتيك الخلق من النواحي يمتارون منك، ويجتمع لك من الكنوز مالم يجتمع لأحد قبلك (اجعلني على خزائن الأرض) ولني خزائن أرضك (إني حفيظ عليم) أمين أحفظ ما تستحفظنيه، عالم بوجوه التصرف، وصفا لنفسه بالأمانة والكفاية اللتين هما طلبة الملوك ممن يولونه، وإنما قال ذلك ليتوصل إلى إمضاء أحكام الله تعالى وإقامة الحق وبسط العدل والتمكن مما لأجله تبعث الأنبياء إلى العباد، ولعلمه أن أحدا غيره لا يقوم مقامه في ذلك، فطلب التولية ابتغاء وجه الله لحب الملك والدنيا. وعن النبي صلى الله عليه وسلم (رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته ولكنه أخر ذلك سنة). فإن قلت:
(٣٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 323 324 325 326 327 328 329 330 331 332 333 ... » »»