الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٠٨
سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم. ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم. ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون. إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون. يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون. سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم
____________________
الإيمان. وقرأ أبى كذبوا بالتشديد (سيصيب الذين كفروا منهم) من الأعراب (عذاب أليم) في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالنار (الضعفاء) الهرمى والزمني. والذين لا يجدون: الفقراء قيل هم مزينة وجهينة وبنو عذرة. والنصح لله ورسوله: الإيمان بهما وطاعتهما في السر والعلن وتوليهما والحب والبغض فيهما كما يفعل الموالى الناصح بصاحبه (على المحسنين) على المعذورين الناصحين، ومعنى لا سبيل عليهم: لا جناح عليهم ولا طريق للعاتب عليهم (قلت لا أجد) حال من الكاف في " أتوك " وقد قبله مضمرة كما قيل في قوله - أو جاءوكم حصرت صدورهم - أي إذا ما أتوك قائلا لا أجد (تولوا) ولقد حصر الله المعذورين في التخلف الذين ليس لهم في أبدانهم استطاعة والذين عدموا آلة الخروج والذين سألوا المعونة فلم يجدوها. وقيل المستحملون أبو موسى الأشعري وأصحابه. وقيل البكاءون وهم ستة نفر من الأنصار (تفيض من الدمع) كقولك تفيض دمعا وهو أبلغ من يفيض دمعها، لأن العين جعلت كأن كلها دمع فائض، وما للبيان كقولك أفديك من رجل، ومحل الجار والمجرور النصب على التمييز (ألا يجدوا) لئلا يجدوا، محله نصب على أنه مفعول له وناصبه المفعول له الذي هو حزنا. فإن قلت:
(رضوا) ما موقعه؟ قلت: هو استئناف كأنه قيل: ما بالهم استأذنوا وهم أغنياء؟ فقيل رضوا بالدناءة والضعة والانتظام في جملة الخوالف (وطبع الله على قلوبهم) يعنى أن السبب في استئذانهم رضاهم بالدناءة وخذلان الله تعالى إياهم. فإن قلت: فهل يجوز أن يكون قوله قلت لا أجد استئنافا مثله كأنه قيل إذا ما أتوك لتحملهم تولوا فقيل ما لهم تولوا بكين، فقيل قلت لا أجد ما أحملكم عليه، إلا أنه وسط بين الشرط والجزاء كالاعتراض.
قلت: نعم، ويحسن (لن نؤمن لكم) علة للنهي عن الاعتذار لأن غرض المعتذر أن يصدق فيما يعتذر به، فإذا علم أنه مكذب وجب عليه الإخلال، وقوله (قد نبأنا الله من أخباركم) علة لانتفاء تصديقهم لأن الله عز وجل إذا أوحى إلى رسوله الإعلام بأخبارهم وأحوالهم وما في ضمائرهم من الشر والفساد لم يستقم مع ذلك تصديقهم في معاذيرهم (وسيرى الله عملكم) أتنيبون أم تثبتون على كفركم (ثم تردون) إليه وهو عالم غيب وشهادة وسر وعلانية فيجازيكم على حسب ذلك (لتعرضوا عنهم) فلا توبخوهم ولا تعاتبوهم (فأعرضوا عنهم) فأعطوهم طلبتهم
(٢٠٨)
مفاتيح البحث: الحزن (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 ... » »»