الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢١٣
وقل اعملوا فسيرا الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعلمون. وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم. والذين اتخذوا مسجدا
____________________
عليه وسلم، إنما الله سبحانه هو الذي يقبل التوبة ويردها فاقصدوه بها ووجهوها إليه (وقل) لهؤلاء التائبين (اعملوا) فإن عملكم لا يخفى خيرا كان أو شرا على الله وعبادة كما رأيتم وتبين لكم. والثاني أن يراد غير التائبين ترغيبا لهم في التوبة. فقد روى أنهم لما تيب عليهم قال الذين لم يتوبوا: هؤلاء الذين تابوا كانوا بالأمس معنا لا يكلمون ولا يجالسون فما لهم؟ فنزلت. فإن قلت: فما معنى قوله - ويأخذ الصدقات -؟ قلت: هو مجاز عن قبوله لها.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه (إن الصدقة تقع في يد الله تعالى قبل أن تقع في يد السائل) والمعنى: أنه يثقل بها ويضاعف عليها وقوله (فسيرى الله) وعيد لهم وتحذير من عاقبة الإصرار والذهول عن التوبة. قرئ مرجون ومرجئون من أرجيته وأرجأته إذا أخرته، ومنه المرجئة: يعنى وآخرون من المتخلفين موقوف أمرهم (إما يعذبهم) إن بقوا على الإصرار ولم يتوبوا (وإما يتوب عليهم) إن تابوا، وهم ثلاثة: كعب بن مالك وهلال بن أمية، ومرارة ابن الربيع، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن لا يسلموا عليهم ولا يكلموهم، ولم يفعلوا كما فعل أبو لبابة وأصحابه من شد أنفسهم على السواري وإظهار الجزع والغم، فلما علموا أن أحدا لا ينظر إليهم فوضوا أمرهم إلى الله تعالى وأخلصوا نياتهم ونصحت توبتهم فرحمهم الله (والله عليم حكيم) وفى قراءة عبد الله: غفور رحيم وإما للعباد (1): أي خافوا عليهم العذاب وأرجوا لهم الرحمة. في مصاحف أهل المدينة والشأم: الذين اتخذوا بغير واو لأنها قصة على حيالها، وفى سائرها بالواو على عطف قصة مسجد الضرار الذي أحدثه المنافقون على سائر قصصهم. روى أن بنى عمرو بن عوف لما بنوا مسجد قباء بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم، فأتاهم فصلى فيه، فحسدتهم إخوتهم بنو غنم بن عوف وقالوا: نبي مسجدا ونرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فيه، ويصلى فيه أبو عمار الراهب إذا قدم من الشأم ليثبت لهم الفضل والزيادة على إخوتهم، وهو الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسق، وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: لا أجد قوما يقاتلونك إلا قاتلتك معهم، فلم يزل يقاتله إلى يوم حنين، فلما انهزمت هوازن خرج هاربا إلى الشأم، وأرسل إلى المنافقين إن استعدوا بما استطعتم من قود وسلاح فإني ذاهب إلى قيصر وآت بجنود ومخرج محمدا وأصحابه من المدينة فبنوا مسجدا بجنب مسجد قباء وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والشاتية، ونحن نحب أن تصلى لنا فيه وتدعو لنا بالبركة، فقال صلى الله عليه وسلم: إني على جناح سفر وحال شغل، وإذا قدمنا إن شاء الله صلينا فيه، فلما قفل من غزوة تبوك سألوه إتيان المسجد فنزلت عليه، فدعا بمالك ابن الدخشم ومعن بن عدي وعامر بن السكن ووحشي قاتل حمزة فقال لهم: انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله

(1) (قوله وإما للعباد) كتب عليه يعني إما للشك وهو لا يجوز علي الله فهو إذا للعباد كأوفي أو يزيدون ولعل في - العلة يتذكر - اه‍ كتيه المصلح.
(٢١٣)
مفاتيح البحث: الجواز (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 ... » »»