الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢١١
وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين، ثم يردون إلى عذاب عظيم. وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا
____________________
تحتها، وهى قراءة ابن كثير، وفى سائر المصاحف تحتها بغير من (وممن حولكم) يعنى حول بلدتكم وهى المدينة (منافقون) وهم جهينة وأسلم وأشجع وغفار كانوا نازلين حولها (ومن أهل المدينة) عطف على خبر المبتدأ الذي هو ممن حولكم، ويجوز أن يكون جملة معطوفة على المبتدأ والخبر إذا قدرت: ومن أهل المدينة قوم مردوا على النفاق، على أن مردوا صفة موصوف محذوف كقوله: أنا ابن جلا، وعلى الوجه الأول لا يخلو من أن يكون كلاما مبتدأ، أو صفة لمنافقون فصل بينها وبينه بمعطوف على خبره (مردوا على النفاق) تمهروا فيه، من مرن فلان عمله ومرد عليه: إذا درب به وضرى حتى لان عليه ومهر فيه، ودال على مرانتهم عليه ومهارتهم فيه بقوله (لا تعلمهم) أي يخفون عليك مع فطنتك وشهامتك وصدق فراستك لفرط تنوقهم في تحامى ما يشكك في أمرهم، ثم قال (نحن نعلمهم) أي لا يعلمهم إلا الله ولا يطلع على سرهم غيره، لأنهم يبطنون الكفر في سويداوات قلوبهم إبطانا، ويبرزون لك ظاهرا كظاهر المخلصين من المؤمنين لا تشك معه في إيمانهم، وذلك أنهم مردوا على النفاق وضروا به فلهم فيه اليد الطولى (سنعذبهم مرتين) قيل هما القتل وعذاب القبر، وقيل الفضيحة وعذاب القبر. وعن ابن عباس رضي الله عنه أنهم اختلفوا في هاتين المرتين فقال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا يوم الجمعة فقال: اخرج يا فلان فإنك منافق، اخرج يا فلان فإنك منافق، فأخرج ناسا وفضحهم، فهذا العذاب الأول. والثاني عذاب القبر. وعن الحسن: أخذ الزكاة من أموالهم ونهك أبدانهم (إلى عذاب عظيم) إلى عذاب النار (اعترفوا بذنوبهم) أي لم يعتذروا من تخلفهم بالمعاذير الكاذبة كغيرهم، ولكن اعترفوا على أنفسهم بأنهم بئس ما فعلوا متذممين نادمين، وكانوا ثلاثة: أبو لبابة مروان بن عبد المنذر، وأوس بن ثعلبة، ووديعة بن حزام.
وقيل كانوا عشرة، فسبعة منهم أوثقوا أنفسهم بلغهم ما نزل في المتخلفين فأيقنوا بالهلاك فأوثقوا أنفسهم على سواري المسجد، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل المسجد فصلى ركعتين، وكنت عادته صلى الله عليه وسلم كما قدم من سفر، فرآهم موثقين فسأل عنهم، فذكر له أنهم أقسموا أن لا يحلوا أنفسهم حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلهم، فقال: وأنا أقسم أن لا أحلهم حتى أومر فيهم، فنزلت فأطلقهم وعذرهم، فقالوا: يا رسول الله هذه أموالنا التي خلفتنا عنك فتصدق بها وطهرنا، فقال: ما أمرت أن آخذ من
(٢١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 ... » »»