الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٠٤
فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون. ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب. الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم. استغفر لهم أولا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدى القوم الفاسقين.
____________________
الضمير للبخل: يعنى فأورثهم البخل (نفاقا) متمكنا (في قلوبهم) لأنه كان سببا فيه وداعيا إليه، والظاهر أن الضمير لله عز وجل، والمعنى: فخذلهم حتى نافقوا وتمكن في قلوبهم نفاقهم فلا ينفك عنها إلى أن يموتوا بسبب إخلافهم ما وعدوا الله من التصدق والصلاح وكونهم كاذبين، ومنه جعل خلف الوعد ثلث النفاق. وقرئ يكذبون بالتشديد، وألم تعلموا بالتاء. عن علي رضي الله عنه (سرهم ونجواهم) ما أسروه من النفاق والعزم على إخلاف ما وعدوه وما يتناجون به فيما بينهم من المطاعن في الدين وتسمية الصدقة جزية وتدبير منعها (الذين يلمزون) محله النصب أو الرفع على الذم، ويجوز أن يكون في محل الجر بدلا من الضمير في سرهم ونجواهم.
وقرئ يلمزون بالضم (المطوعين) المتطوعين المتبرعين. روى " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حث على الصدقة، فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعين أوقية من ذهب، وقيل بأربعة آلاف درهم وقال: كان لي ثمانية آلاف فأقرضت ربى أربعة وأمسكت أربعة لعيالي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت، فبارك الله له حتى صولحت تماضر امرأته عن ربع الثمن على ثمانين ألفا " وتصدق عاصم بن عدي بمائة وسق من تمر. وجاء أبو عقيل الأنصاري رضي الله عنه بصاع من تمر فقال: بت ليلتي أجر بالجرير على صاعين، فتركت صاعا لعيالي وجئت بصاع، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينثره على الصدقات، فلمزهم المنافقون وقالوا: ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلا رياء، وإن كان الله ورسوله لغنيين عن صاع أبى عقيل، ولكنه أحب أن يذكر بنفسه ليعطى من الصدقات، فنزلت (إلا جهدهم) إلا طاقتهم. قرئ بالفتح والضم (سخر الله منهم) كقوله - الله يستهزئ بهم - في أنه خبر غير دعاء. ألا ترى إلى قوله (ولهم عذاب أليم) سأل عبد الله ابن عبد الله بن أبي رسول الله صلى عليه وسلم وكان رجلا صالحا أن يستغفر لأبيه في مرضه ففعل، فنزلت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد رخص لي فسأزيد على السبعين، فنزلت - سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم - وقد ذكرنا أن هذا الأمر في معنى الخبر كأنه قيل: لن يغفر الله لهم استغفرت لهم أم لم تستغفر
(٢٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 ... » »»