الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٠٩
إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون. يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين. الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم. ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم.
ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله
____________________
(إنهم رجس) تعليل لترك معاتبتهم. يعنى أن المعاتبة لا تنفع فيهم ولا تصلحهم، إنما يعاتب الأديم ذو البشرة والمؤمن يوبخ على ذلة تفرط منه ليطهره التوبيخ بالحمل على التوبة والاستغفار، وأما هؤلاء فأرجاس لا سبيل إلى تطهيرهم (ومأواهم جهنم) يعنى وكفتهم النار عتابا وتوبيخا فلا تتكلفوا عتابهم (لترضوا عنهم) أي غرضهم في الحلف بالله طلب رضاكم لينفعهم ذلك في دنياهم (فإن ترضوا عنهم) فإن رضاكم وحدكم لا ينفعهم إذا كان الله ساخطا عليهم وكانوا عرضة لعاجل عقوبته وآجلها. وقيل إنما قيل ذلك لئلا يتوهم متوهم أن رضا المؤمنين يقتضى رضا الله عنهم. قيل هم جد بن قيس ومعتب بن قشير وأصحابهما وكونوا ثمانين رجلا منافقين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة: لا تجالسوهم ولا تكلموهم. وقيل جاء عبد الله بن أبي يحلف أن لا يتخلف عنه أبدا (الأعراب) أهل البدو (أشد كفرا ونفاقا) من أهل الحضر لجفائهم وقسوتهم وتوحشهم ونشئهم في بعد من مشاهدة العلماء ومعرفة الكتاب والسنة (وأجدر ألا يعلموا) وأحق بجهل حدود الدين وما أنزل الله من الشرائع والأحكام، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم (إن الجفاء والقسوة في الفدادين) (والله عليم) يعلم حال كل أحد من أهل الوبر والمدر (حكيم) فيما يصيب به مسيئهم ومحسنهم ومخطئهم ومصيبهم من عقابه وثوابه (مغرما) غرامة وخسرانا. والغرامة ما ينفقه الرجل وليس يلزمه، لأنه لا ينفق إلا تقية من المسلمين ورياء، لا لوجه الله عز وجل وابتغاء المثوبة عنده (ويتربص بكم الدوائر) دوائر الزمان: دوله وعقبه لتذهب غلبتكم عليه ليتخلص من إعطاء الصدقة (عليهم دائرة السوء) دعاء معترض دعا عليهم بنحو ما دعوا به كقوله عز وجل - وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم - وقرئ السوء بالضم وهو العذاب، كما قيل له سيئة والسوء بالفتح وهو ذم للدائرة كقولك رجل سوء في نقيض قولك رجل صدق، لأن من دارت عليه ذام لها (والله سميع) لما يقولون إذا توجهت عليهم الصدقة (عليم) بما يضمرون، وقيل هم أعراب أسد وغطفان وتميم (قربات) مفعول ثان ليتخذ، والمعنى: أن
(٢٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 ... » »»