الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٠٧
إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون. ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون. وإذا أنزلت سروة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين. رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون.
لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون. أعد الله لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم. وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله
____________________
على تقدير الكون والوجود لأنه كائن موجود لا محالة (إنهم كفروا) تعليل للنهي، وقد أعيد قوله (ولا تعجبك لأن تجدد النزول له شأن في تقرير ما نزل له وتأكيده وإرادة أن يكون على بال من المخاطب لا ينساه ولا يسهو عنه، وأن يعتقد أن العمل به مهم يفتقر إلى فضل عناية به، لا سيما إذا تراخى ما بين النزولين، فأشبه الشئ الذي أهم صاحبه فهو يرجع إليه في أثناء حديثه ويتخلص إليه، وإنما أعيد هذا المعنى لقوته فيما يجب أن يحذر منه. يجوز أن يراد السورة بتمامها وأن يراد بعضها في قوله (وإذا أنزلت سورة) كما يقع القرآن والكتاب على كله وعلى بعضه.
وقيل هي براءة لأن فيها الأمر بالإيمان والجهاد (أن آمنوا) هي أن المفسرة (أولوا الطول) ذو والفضل والسعة من طال عليه طولا (مع القاعدين) مع الذين لهم علة وعذر في التخلف (فهم لا يفقهون) ما في الجهاد من الفوز والسعادة، وما في التخلف من الشقاء والهلاك (لكن الرسول) أي إن تخلف هؤلاء فقد نهد إلى الغزو من هو خير منهم وأخلص نية ومعتقدا كقوله - فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما - فإن استكبروا فالذين عند ربك - (الخيرات) تتناول منافع الدارين لإطلاق اللفظ. وقيل الحور لقوله - فيهن خيرات - (المعذرون) من عذر في الأمر إذا قصر فيه وتوانى ولم يجد، وحقيقته أن يوهم أن له عذرا فيما يفعل ولا عذر له، أو المعتذرون بإدغام التاء في الذال ونقل حركتها إلى العين، ويجوز في العربية كسر العين لالتقاء الساكنين وضمها لاتباع الميم، ولكن لم تثبت بهما القراءة وهم الذين يعتذرون بالباطل كقوله - يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم - وقرئ المعذرون بالتخفيف وهو الذي يجتهد في العذر ويحتشد فيه. قيل هم أسد وغطفان قالوا: إن لنا عيالا وإن بنا جهدا فأذن لنا في التخلف. وقيل هم رهط عامر بن الطفيل قالوا: إن غزونا معك أغارت أعراب طي على أهالينا ومواشينا، فقال صلى الله عليه وسلم: سيغنيني الله عنكم. وعن مجاهد: نفر من غفار اعتذروا فلم يعذر هم الله تعالى. وعن قتادة اعتذروا بالكذب. وقرئ المعذرون بتشديد العين والذال من تعذر بمعنى اعتذر، وهذا غير صحيح لأن التاء لا تدغم في العين إدغامها في الطاء والزاي والصاد في المطوعين وأزكى واصدق. وقيل أريد المعتذرون بالصحة وبه فسر المعذرون، والمعذرون على قراءة ابن عباس رضي الله عنه: الذين لم يفرطوا في العذر (وقعد الذين كذبوا الله ورسوله) هم منافقوا لأعراب الذين لم يجيئوا ولم يعتذروا وظهر بذلك أنهم كذبوا الله ورسوله في ادعائهم
(٢٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 ... » »»