الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٠٦
فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين. ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره
____________________
لا يكون غيره. يروى أن أهل النفاق يبكون في النار عمر الدنيا لا يرقأ لهم دمع ولا يكتحلون بنوم. وإنما قال (إلى طائفة منهم) لأن منهم من تاب عن النفاق وندم على التخلف أو اعتذر بعذر صحيح، وقيل لم يكن المخلفون كلهم منافقين فأراد بالطائفة المنافقين منهم (فاستأذنوك للخروج) يعنى إلى غزوة بعد غزوة تبوك، و (أول مرة) هي الخرجة إلى غزوة تبوك، وكان إسقاطهم عن ديوان الغزاة عقوبة لهم على تخلفهم الذي عليم الله أنه لم يدعهم إليه إلا النفاق بخلاف غيرهم من المتخلفين (مع الخالفين) قد مر تفسيره. وقرأ مالك بن دينار رحمه الله مع الخلفين على قصر الخالفين. فإن قلت: مرة نكرة وضعت موضع المرات للتفضيل فلم ذكر اسم التفضيل المضاف إليها وهو دال على واحدة من المرات؟ قلت: أكثر اللغتين هند أكبر النساء وهى أكبرهن، ثم إن قولك هي كبرى امرأة لا تكاد تعثر عليه، ولكن هي أكبر امرأة وأول مرة وآخر مرة. وعن قتادة ذكر لنا أنهم كانوا اثنى عشر رجلا قيل فيهم ما قيل. روى " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم على قبور المنافقين ويدعو لهم، فلما مرض رأس النفاق عبد الله بن أبي بعث إليه ليأتيه، فلما دخل عليه قال: أهلكك حب اليهود، فقال: يا رسول الله بعثت إليك لتستغفر لي لا لتؤنبني، وسأله أن يكفنه في شعاره الذي يلي جلده ويصلى عليه، فلما مات دعاه ابنه حباب إلى جنازته فسأله عن اسمه فقال: أنت عبد الله بن عبد الله الحباب اسم شيطان، فلما هم بالصلاة عليه قال له عمر: أتصلى على عدو الله؟ فنزلت " وقيل أراد أن يصلى عليه فجذبه جبريل. فإن قلت: كيف جازت له تكرمة المنافق وتكفينه في قميصه؟ قلت: كان ذلك مكافأة له على صنيع سبق له، وذلك أن العباس رضي الله عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخذ أسيرا ببدر لم يجدوا له قميصا وكان رجلا طوالا، فكساه عبد الله قميصه، وقال له المشركون يوم الحديبية: إنا لا نأذن لمحمد ولكنا نأذن لك، فقال: لا إن لي في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فشكر رسول الله صلى الله عليه وسلم له ذلك وأجابه إلى مسألته إياه، فقد كان عليه الصلاة والسلام لا يرد سائلا، وكان يتوفر على دواعي المرؤة ويعمل بعادات الكرام وإكراما لابنه الرجل الصالح، فقد روى أنه قال له: أسألك أن تكفنه في بعض قمصانك وأن تقوم على قبره لا يشمت به الأعداء، وعلما بأن تكفينه في قميصه لا ينفعه مع كفره فلا فرق بينه وبين غيره من الأكفان وليكون إلباسه إياه لطفا لغيره. فقد روى أنه قيل له: لم وجهت إليه بقميصك وهو كافر؟ فقال: إن قميصي لن يغنى عنه من الله شيئا، وإني أؤمل من الله أن يدخل في الإسلام كثير بهذا السبب، فيروى أنه أسلم ألف من الخزرج لما رأوه طلب الاستشفاء بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك ترحمه واستغفاره كان للدعاء إلى التراحم والتعاطف، لأنهم إذا رأوه يترحم على من يظهر الإيمان وباطنه على خلاف ذلك دعا المسلم إلى أن يتعاطف على من واطأ قلبه لسانه ورآه حتما عليه. فإن قلت:
فكيف جازت الصلاة عليه؟ قلت: لم يتقدم نهى عن الصلاة عليهم، وكانوا يجرون مجرى المسلمين لظاهر إيمانهم لما في ذلك من المصلحة. وعن ابن عباس رضي الله عنه: ما أدرى ما هذه الصلاة، إلا أنى أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخادع (مات) صفة لأحد، وإنما قيل مات وماتوا بلفظ الماضي والمعنى على الاستقبال
(٢٠٦)
مفاتيح البحث: الموت (1)، القبر (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 ... » »»