الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٠٣
يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله، فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من ولى ولا نصير.
ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين. فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون.
____________________
ويعيب المنافقين المتخلفين من معه منهم، منهم الجلاس بن سويد، فقال الجلاس: والله لئن كان ما يقول محمد حقا لإخواننا الذين خلفناهم وهم ساداتنا وأشرافنا فنحن شر من الحمير، فقال عامر بن قيس الأنصاري:
للجلاس: أجل والله إن محمدا لصادق، وأنت شر من الحمار، وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستحضر فحلف بالله ما قال، فرفع عامر يده فقال: اللهم أنزل على عبدك ونبيك تصديق الكاذب وتكذيب الصادق، فنزلت (يحلفون بالله ما قالوا) فقال الجلاس: يا رسول الله لقد عرض الله على التوبة والله لقد قلته وصدق عامر، فتاب الجلاس وحسنت توبته (وكفروا بعد إسلامهم) وأظهروا كفرهم بعد إظهارهم الإسلام (وهموا بما لم ينالوا) وهو الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم، ذلك عند مرجعه من تبوك. تواثق خمسة عشر منهم على أن يدفعوه عن راحلته إلى الوادي إذا تسنم العقبة بالليل، فأخذ عمار بن ياسر بخطام راحلته يقودها وحذيفة خلفها يسوقها، فبينما هما كذلك إذ سمع حذيفة بوقع أخفاف الإبل وبقعقعة السلاح فالتفت فإذا قوم متلثمون، فقال:
إليكم إليكم يا أعداء الله فهربوا. وقيل هم المنافقون بقتل عامر لرده على الجلاس، وقيل أرادوا أن يتوجوا عبد الله ابن أبي وإن لم يرض رسول الله صلى الله عليه وسلم (وما نقموا) وما أنكروا وما عابوا (إلا أن أغناهم الله) وذلك أنهم كانوا حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في ضنك من العيش لا يركبون الخيل ولا يحوزون الغنيمة فأثروا بالغنائم، وقتل للجلاس مولى فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بديته اثنى عشر ألفا فاستغنى (فإن يتوبوا) هي الآية التي تاب عندها الجلاس (في الدنيا والآخرة) بالقتل والنار. روى " أن ثعلبة بن حاطب قال: يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا، فقال صلى الله عليه وسلم: يا ثعلبة قليل تؤدى شكره خير من كثير لا تطيقه، فراجعه وقال: والذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالا لأعطين كل ذي حق حقه، فدعا فاتخذ غنما فنمت كما ينمى الدود حتى ضاقت بها المدينة، فنزل واديا وانقطع عن الجماعة والجمعة، فسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل: كثر ماله حتى لا يسعه واد، فقال: يا ويح ثعلبة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقين لأخذ الصدقات، فاستقبلهما الناس بصدقاتهم، ومرا بثعلبة فسألاه الصدقة وأقرأه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فيه الفرائض، فقال: ما هذه إلا جزية ما هذه إلا أخت الجزية، وقال: ارجعا حتى أرى رأيي، فلما رجعا قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يكلماه: يا ويح ثعلبة مرتين، فنزلت فجاءه ثعلبة بالصدقة فقال: إن الله منعني أن أقبل منك، فجعل التراب على رأسه، فقال: هذا عملك قد أمرتك فلم تطعني، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء بها إلى أبى بكر رضي الله عنه فلم يقبلها، وجاء بها إلى عمر رضي الله عنه في خلافته فلم يقبلها، وهلك في زمان عثمان رضي الله عنه " وقرئ لنصدقن، ولنكونن بالنون الخفيفة فيهما (من الصالحين) قال ابن عباس رضي الله عنه: يريد الحج " فأعقبهم) عن الحسن وقتادة رضي الله عنهما أن
(٢٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 ... » »»