الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٩٦
إنكم كنتم قوما فاسقين. وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون. فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون. ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون. لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون. ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون.
____________________
قيس حين تخلف عن غزوة تبوك وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا مالي أعينك به فاتركنى (إنكم) تعليل لرد إنفاقهم. والمراد بالفسق التمرد والعتو (أنهم) فاعل منع وهم. وأن يتقبل مفعولاه. وقرئ أن تقبل بالتاء والياء على البناء للمفعول ونفقاتهم ونفقتهم على الجمع والتوحيد. وقرأ السلمي أن يقبل منهم نفقاتهم على أن الفعل لله عز وجل (كسالى) بالضم والفتح جمع كسلان نحو سكارى وغيارى في جمع سكران وغيران، وكسلهم لأنهم لا يرجون بصلاتهم ثوابا ولا يخشون بتركها عقابا فهي ثقيلة عليهم كقوله تعالى - وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين - وقرأت في بعض الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره للمؤمن أن يقول كسلت كأنه ذهب إلى هذه الآية، فإن الكسل من صفات المنافقين، فما ينبغي أن يسنده المؤمن إلى نفسه. فإن قلت: الكراهية خلاف الطواعية وقد جعلهم الله تعالى طائعين في قوله طوعا ثم وصفهم بأنهم لا ينفقون إلا وهم كارهون. قلت: المراد بطوعهم أنهم يبذلونه من غير إلزام من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من رؤسائهم، وما طوعهم ذاك إلا عن كراهية واضطرار لا عن رغبة واختيار. الإعجاب بالشئ أن يسر به سرور راض به متعجب من حسنه، والمعنى: فلا تستحسن ولا تفتتن بما أوتوا من زينة الدنيا كقوله تعالى - ولا تمدن عينيك - فإن الله تعالى إنما أعطاهم ما أعطاهم للعذاب بأن عرضه للتغنم والسبي، وبلاهم يه بالآفات والمصائب، وكلفهم الإنفاق منه في أبواب الخير وهم كارهون له على رغم أنوفهم، وأذاقهم أنواع الكلف والمجاشم في جمعه واكتسابه وفي تربية أولادهم. فإن قلت:
إن صح تعليق التعذيب بإرادة الله تعالى فما بال زهوق أنفسهم (وهم كافرون)؟ قلت: المراد الاستدراج بالنعم كقوله تعالى - إنما نملي لهم ليزدادوا إثما - كأنه قيل: ويريد أن يديم عليهم نعمته إلى أن يموتوا وهم كافرون ملتهون بالتمتع عن النظر للعاقبة (لمنكم) لمن جملة المسلمين (يفرقون) يخافون القتل وما يفعل بالمشركين فيتظاهرون بالإسلام تقية (ملجأ) مكانا يلجئون إليه متحصنين به من رأس جبل أو قلعة أو جزيرة (أو مغارات) أو غيرانا.
وقرئ بضم الميم من أغار الرجل وغار إذا دخل الغور، وقيل هو تعدية غار الشئ وأغرته أنا يعنى أمكنة يغيرون فيها أشخاصهم، ويجوز أن يكون من أغار الثعلب إذا أسرع بمعنى مهارب ومفار (أو مدخلا) أو نفقا يندسون فيه وينحجزون وهو مفتعل من الدخول. وقرئ مدخلا من دخل ومدخلا من أدخل مكانا يدخلون فيه أنفسهم وقرأ أبي بن كعب رضي الله عنه متدخلا. وقرئ لوألوا إليه لالتجأوا إليه (يجمحون) يسرعون إسراعا لا يردهم شئ، من الفرس الجموح وهو الذي إذا حمل لم يرده اللجام. وقرأ أنس رضي الله عنه يجمزون، فسئل فقال:
يجمحون ويجمزون ويشتدون واحد (يلمزك) يعيبك في قسمة الصدقات ويطعن عليك، قيل هم المؤلفة قلوبهم،
(١٩٦)
مفاتيح البحث: المنع (1)، الصّلاة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 ... » »»