الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٠٢
والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم. وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم.
يا أيها النبي جاهدا لكفار والمنافقين وأغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير.
____________________
حكيم لا يجوز عليه القبيح وأن يعاقبهم بغير جرم، ولكن ظلموا أنفسهم حيث كفروا به فاستحقوا عقابه (بعضهم أولياء بعض) في مقابلة قوله في المنافقين - بعضهم من بعض - (سيرحمهم الله) السين مفيدة وجود الرحمة لا محالة، فهي تؤكد الوعد كما تؤكد الوعيد في قولك: سأنتقم منك يوما، تعنى أنك لا تفوتني وإن تباطأ ذلك، ونحوه - سيجعل لهم الرحمن ودا - ولسوف يعطيك ربك فترضى - سوف يؤتيهم أجورهم - (عزيز) غالب على كل شئ قادر عليه فهو يقدر على الثواب والعقاب (حكيم) واضع كلام موضعه على حسب الاستحقاق (ومساكن طيبة) عن الحسن قصورا من اللؤلؤ والياقوت الأحمر والزبرجد. وعدن علم بدليل قوله - جنات عدن التي وعد الرحمن - ويدل عليه ما روى أبو الدرداء رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " عدن دار الله التي لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر لا يسكنها غير ثلاثة: النبيون والصديقون والشهداء، يقول الله تعالى: طوبى لمن دخلك " وقيل هي مدينة في الجنة، وقيل نهر جناته على حافاته (ورضوان من الله أكبر) وشئ من رضوان الله أكبر من ذلك كله لأن رضاه هو سبب كل فوز وسعادة ولأنهم ينالون برضاه عنهم تعظيمه وكرامته والكرامة أكبر أصناف الثواب، ولأن العبد إذا علم أن مولاه راض عنه فهو أكبر في نفسه مما وراءه من النعم وإنما تتهنأ له برضاه، كما إذا علم بسخطته تنغصت عليه ولم يجد لها لذة وإن عظمت. وسمعت بعض أولى الهمة البعيدة والنفس المرة من مشايخنا يقول: لا تطمح عيني ولا تنازع نفسي إلى شئ مما وعد الله في دار الكرامة كما تطمح وتنازع إلى رضاه عنى، وأن أحشر في زمرة المهذبين المرضيين عنده (ذلك) إشارة إلى ما وعد الله أو إلى الرضوان: أي (هو الفوز العظيم) وحده دون ما يعده الناس فوزا. وروى " أن الله عز وجل يقول لأهل الجنة هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك، فيقول، أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: وأي شئ أفضل من ذلك؟ قال: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدا " (جاهد الكفار) بالسيف (والمنافقين) بالحجة (وأغلظ عليهم) في الجهادين جميعا ولا تحابهم وكل من وقف منه على فساد في العقيدة فهذا الحكم ثابت فيه يجاهد بالحجة وتستعمل معه الغلظة ما أمكن منها. عن ابن مسعود " إن لم يستطع بيده فبلسانه، فإن لم يستطع فليكفهر في وجهه، فإن لم يستطع فبقلبه " يريد الكراهة والبغضاء والتبرء منه، وقد حمل الحسن جهاد المنافقين على إقامة الحدود عليهم إذا تعاطوا أسبابها. أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك شهرين ينزل عليه القرآن
(٢٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 ... » »»