الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٠١
وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم. كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم الذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون. ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.
____________________
المتردفي الكفر والانسلاخ عن كل خير، وكفى المسلم زاجرا أن يلم بما يكسبه هذا الاسم الفاحش الذي وصف الله به المنافقين حين بالغ في ذمهم، وإذا كره رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلم أن يقول كسلت لأن المنافقين وصفوا بالكسل في قوله " كسالى " فما ظنك بالفسق (خالدين فيها) مقدرين الخلود (هي حسبهم) دلالة على عظم عذابها وأنه لا شئ أبلغ منه وأنه بحيث لا يزاد عليه، نعوذ بالله من سخطه وعذابه (ولعنهم الله) وأهانهم مع التعذيب وجعلهم مذمومين ملحقين بالشياطين الملاعين كما عظم أهل الجنة وألحقهم بالملائكة المكرمين (ولهم عذاب مقيم) ولهم نوع من عذاب سوى الصلي بالنار مقيم دائم كعذاب النار، ويجوز أن يريد: ولهم عذاب مقيم معهم في العاجل لا ينفكون عنه، وهو ما يقاسونه من تعب النفاق، والظاهر المخالف للباطن خوفا من المسلمين وما يحذرونه أبدا من الفضيحة ونزول العذاب إن اطلع على أسرارهم. الكاف محلها رفع على أنتم مثل الذين من قبلكم، أو نصب على ما فعلتم مثل ما فعل الذين من قبلكم وهو أنكم استمتعتم وخضتم كما استمتعوا وخاضوا، ونحوه قول النمر:
* كاليوم مطلوبا ولا طالبا * بإضمار لم أر وقوله (كانوا أشد منكم قوة) تفسير لتشبيههم بهم وتمثيل فعلهم بفعلهم. والخلاق: النصيب وهو ما خلق للإنسان: أي قدر من خير، كما قيل له قسم لأنه قسم ونصيب، أي لأنه نصب أي أثبت. والخوض: الدخول في الباطل واللهو (كالذي خاضوا) كالفوج الذي خاضوا أو كالخوض الذي خاضوه. فإن قلت: أي فائدة في قوله - فاستمتعوا بخلاقهم - وقوله - كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم - مغن عنه كما أغنى قوله - كالذي خاضوا - عن أن يقال وخاضوا فخضتم كالذي خاضوا؟ قلت: فائدته أن يذم الأولين بالاستمتاع بما أوتوا من حظوظ الدنيا ورضاهم بها والتهائهم بشهواتهم الفانية عن النظر في العاقبة وطلب الفلاح في الآخرة، وأن يخسس أمر الاستمتاع ويهجن أمر الراضي به، ثم يشبه بعد ذلك حال المخاطبين بحالهم كما تريد أن تنبه بعض الظلمة على سماجة فعله فتقول: أنت مثل فرعون كان يقتل بغير جرم ويعذب ويعسف وأنت تفعل مثل فعله. وأما وخضتم كالذي خاضوا فمعطوف على ما قبله مستند إليه مستغن باستناده إليه عن تلك التقدمة (حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة) نقيض قوله - وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين - (وأصحاب مدين) وأهل مدين وهم قوم شعيب (والمؤتفكات) مدائن قوم لوط وقيل قريات قوم لوط وهود وصالح وائتفا كهن انقلاب أحوالهن عن الخير إلى الشر (فما كان الله ليظلمهم) فما صح منه أن يظلمهم وهو
(٢٠١)
مفاتيح البحث: النفاق (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 ... » »»