الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢١٧
بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين. ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم. وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم. وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شئ عليم. إن الله له ملك السماوات والأرض يحيى ويميت وما لكم من دون الله من ولى ولا نصير.
____________________
الهجرة، وهذا آخر ما نزل بالمدينة. وقيل استغفر لأبيه، وقيل قال المسلمون: ما يمنعنا أن نستغفر لآبائنا وذوي قرابتنا وقد استغفر إبراهيم لأبيه وهذا محمد يستغفر لعمه (ما كان للنبي) ما صح له الاستغفار في حكم الله وحكمته (من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) لأنهم ماتوا على الشرك. قرأ طلحة: وما استغفر إبراهيم لأبيه، وعنه:
وما يستغفر إبراهيم على حكاية الحال الماضية (إلا عن موعدة وعدها إياه) أي وعدها إبراهيم أباه وهو قوله - لأستغفرن لك - ويدل عليه قراءة الحسن وحماد الراوية وعدها أباه. فإن قلت: كيف خفى على إبراهيم أن الاستغفار للكفار غير جائز حتى وعده؟ قلت: يجوز أن يظن أنه ما دام يرجى منه الإيمان جاز الاستغفار له، على أن امتناع جواز الاستغفار للكافر إنما علم بالوحي، لأن العقل يجوز أن يغفر الله للكافر، ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام لعمه: لأستغفرن لك مالم أنه. وعن الحسن قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن فلانا يستغفر لآبائه المشركين، فقال: ونحن نستغفر لهم، فنزلت. وعن علي رضي الله عنه: رأيت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلت له فقال: أليس قد استغفر إبراهيم؟ فإن قلت فما معنى قوله (فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه)؟
قلت: معناه فلما تبين له من جهة الوحي أنه لن يؤمن وأنه يموت كافرا وانقطع رجاؤه عنه قطع استغفاره، فهو كقوله - من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم - أواه فعال من أوه كلأل من اللؤلؤ وهو الذي يكثر التأوه، ومعناه: أنه لفرط ترحمه ورقته وحلمه كان يتعطف على أبيه الكافر ويستغفر له مع شكاسته عليه، وقوله - لأرجمنك - يعنى ما أمر الله باتقائه واجتنابه كالاستغفار للمشركين وغيره مما نهى عنه، وبين أنه محظور لا يؤاخذ به عباده الذين هداهم للإسلام، ولا يسميهم ضلالا ولا يخذلهم إلا إذا أقدموا عليه بعد بيان حظره عليهم وعلمهم بأنه واجب الاتقاء والاجتناب، وأما قبل العلم والبيان فلا سبيل عليهم، كما لا يؤاخذون بشرب الخمر ولا ببيع
(٢١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 ... » »»