الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢١٥
خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم، والله لا يهدي القوم الظالمين. لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم. إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة
____________________
وقيل كانوا لا ينامون الليل على الجنابة ويتبعون الماء أثر البول. وعن الحسن، هو التطهر من الذنوب بالتوبة، وقيل يحبون أن يتطهروا بالحمى المكفرة لذنوبهم فحموا عن آخرهم. فإن قلت: ما معنى المحبتين؟ قلت: محبتهم للتطهر أنهم يؤثرونه ويحرصون ويحرصون عليه حرص المحب للشئ المشتهى له على إيثاره، ومحبة الله تعالى إياهم أنه يرضى عنهم ويحسن إليهم كما يفعل المحب بمحبوبه. قرئ أسس بنيانه، وأسس بنيانه على البناء للفاعل والمفعول، وأسس بنيانه جمع أساس على الإضافة، وأساس بنيانه بالفتح والكسر جمع أسس، وآساس بنيانه على أفعال جمع أس أيضا، وأس بنيانه، والمعنى: أفمن أسس بنيان دينه على قاعدة قوية محكمة وهى الحق الذي هو تقوى الله ورضوانه (خير أم من) أسسه على قاعدة هي أضعف القواعد وأرخاها وأقلها بقاء وهو الباطل والنفاق الذي مثله مثل (شفا جرف هار) في قلة الثبات والاستمساك، وضع شفا الجرف في مقابلة التقوى لأنه جعل مجازا عما ينافي التقوى. فإن قلت: فما معنى قوله (فانهار به في نار جهنم)؟ قلت: لما جعل الجرف الهائر مجازا عن الباطل قيل فانهار به في نار جهنم على معنى فطاح به الباطل في نار جهنم، إلا أنه رشح المجاز فجئ بلفظ الانهيار الذي هو للجرف، وليصور أن المبطل كأنه أسس بنيانا على شفا جرف من أودية جهنم فانهار به ذلك الجرف فهوى في قعرها.
والشفا: الحرف والشفير، وجرف الوادي: جانبه الذي يتحفر أصله بالماء وتجرفه السيول فيبقى واهيا.
والهار: الهائر وهو المتصدع الذي أشفى على التهدم والسقوط، ووزنه فعل قصر عن فاعل كخلف من خالف، ونظيره شاك وصات في شائك وصائت، وألفه ليست بألف فاعل إنما هي عينه، وأصله هور وشوك وصوت، ولا ترى أبلغ من هذا الكلام ولا أدل على حقيقة الباطل وكنه أمره. وقرئ جرف بسكون الراء. فإن قلت: فما وجه ما روى سيبويه عن عيسى بن عمر على تقوى من الله بالتنوين. قلت: قد جعل الألف للإلحاق لا للتأنيث كتترى فيمن نون ألحقها بجعفر. وفى مصحف أبى فانهارت به قواعده. وقيل حفرت بقعة من مسجد الضرار فرؤى الدخان يخرج منه. وروى أن مجمع بن حارثة كان إمامهم في مسجد الضرار، فكلم بنو عمرو بن عوف أصحاب مسجد قباء عمر بن الخطاب في خلافته أن يأذن لجمع فيؤمهم في مسجدهم، فقال لا، ولا نعمة عين أليس بإمام مسجد الضرار، فقال: يا أمير المؤمنين لاتعجل على، فوالله لقد صليت بهم والله يعلم أنى لا أعلم ما أضمروا فيه، ولو علمت ما صليت معهم فيه، كنت غلاما قارئا للقرآن وكانوا شيوخا لا يقرأون من القرآن شيئا، فعذره وصدقه وأمره بالصلاة بقومه. ريبه: شكا في الدين ونفاقا، وكان القوم منافقين، وإنما حملهم على بناء ذلك المسجد كفرهم ونفاقهم كما قال عز وجل - ضرارا وكفرا - فلما هدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ازدادوا لما غاظهم من ذلك وعظم عليهم تصميما على النفاق ومقتا للإسلام، فمعنى قوله (لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبه في قلوبهم) لا يزال هدمه سبب شك ونفاق زائد على شكهم ونفاقهم، لا يزول وسمه عن قلوبهم ولا يضمحل أثره (إلا أن تقطع قلوبهم) قطعا وتفرق أجزاء فحينئذ يسلون عنه، وإما ما دامت سالمة مجتمعه فالريبة باقية فيها
(٢١٥)
مفاتيح البحث: الظلم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 ... » »»