الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٩٣
يترددون. ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين.
____________________
(يترددون) عبارة عن التحير، لأن التردد ديدن المتحير، كما أن الثبات والاستقرار ديدن المستبصر. قرئ عده بمعنى عدته فعل بالعدة ما فعل بالعدوة من قال: * وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا * من حذف تاء التأنيث وتعويض المضاف إليه منها. وقرئ عدة بكسر العين بغير إضافة وعده بإضافة. فإن قلت: كيف موقع حرف الاستدراك؟ قلت: لما كان قوله " ولو أرادوا الخروج " معطيا معنى نفى خروجهم واستعدادهم للغزو قيل (ولكن كره الله انبعاثهم) كأنه قيل ما خرجوا ولكن تثبطوا عن الخروج لكراهة ابنعائهم كما تقول: ما أحسن إلى زيد ولكن أساء إلى (فثبطهم) فكسلهم وخذلهم وضعف رغبتهم في الانبعاث (وقيل اقعدوا) جعل إلقاء الله في قلوبهم كراهة الخروج أمرا بالقعود، وقيل هو قول الشيطان بالوسوسة، وقيل هو قولهم لأنفسهم، وقيل هو إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم في القعود. فإن قلت: كيف جاز أن يوقع الله تعالى في نفوسهم كراهة الخروج إلى الغزو وهى قبيحة، وتعالى الله عن إلهام القبيح؟ قلت: خروجهم كان مفسدة لقوله - لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا - فكان إيقاع كراهة ذلك الخروج في نفوسهم حسنا ومصلحة. فإن قلت: فلم خطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإذن لهم فيما هو مصلحة؟ قلت: لأن إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم لم يكن للنظر في هذه المصلحة ولا علمها إلا بعد القفول بإعلام الله تعالى، ولكن لأنهم استأذنوه في ذلك واعتذروا إليه، فكان عليه أن يتفحص عن كنه معاذيرهم ولا يتجوز في قبولها، فمن ثم أتاه العتاب. ويجوز أن يكون في ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الإذن لهم مع تثبيط الله إياهم مصلحة أخرى فبإذنه لهم فقدت تلك المصلحة، وذلك أنه إذا ثبطهم الله فلم ينبعثوا وكان قعودهم بغير إذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم قامت عليهم الحجة ولم تبق لهم معذرة، ولقد تدارك الله ذلك حيث هتك أستارهم كشف أسرارهم وشهد عليهم بالنفاق وأنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر. فإن قلت: ما معنى قوله (مع القاعدين)؟ قلت: هو ذم لهم وتعجيز وإلحاق بالنساء والصبيان
(١٩٣)
مفاتيح البحث: البعث، الإنبعاث (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»