الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٩١
وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم. انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون.
____________________
والأحزاب وحنين. وكلمة الذين كفروا دعوتهم إلى الكفر (وكلمة الله) دعوته إلى الإسلام. وقرئ كلمة الله بالنصب والرفع أوجه، و (هي) فصل أو مبتدأ، وفيها تأكيد فضل كلمة الله في العلو وأنها المختصة به دون سائر الكلم (خفافا وثقالا) خفافا في النفور لنشاطكم له، وثقالا عنه لمشقته عليكم، أو خفافا لقلة عيالكم وأذيالكم، وثقالا لكثرتها، أو خفافا من السلاح، وثقالا منه، أو ركبانا ومشاة، أو شبابا وشيوخا، أو مهازيل وسمانا، أو صحاحا ومراضا. وعن ابن أم مكتوم " أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أعلى أن أنفر؟ قال: نعم حتى نزل قوله - ليس على الأعمى حرج " وعن ابن عباس نسخت بقوله - ليس على الضعفاء ولا على المرضى - وعن صفوان بن عمرو كنت واليا على حمص فلقيت شيخا كبيرا قد سقط حاجباه من أهل دمشق على راحلته يريد الغزو، فقلت: يا عم لقد أعذر الله إليك، فرفع حاجبيه وقال: يا ابن أخي استنفرنا الله خفافا وثقالا، ألا إنه من يحبه الله يبتله. وعن الزهري خرج سعيد بن المسيب إلى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه، فقيل له: إنك عليل صاحب ضرر، فقال: استنفرنا الله الخفيف والثقيل، فإن لم يمكني الحرب كثرت السواد وحفظت المتاع (وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم) إيجاب للجهاد بهما إن أمكن أو بأحدهما على حسب الحال والحاجة. العرض: ما عرض لك من منافع الدنيا، يقال الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر: أي لو كان ما دعوا إليه غنما قريبا سهل المنال (وسفرا قاصدا) وسطا مقاربا (الشقة) المسافة الشاطة الشاقة. وقرأ عيسى بن عمر بعدت عليهم الشقة بكسر العين والشين، ومنه قوله:
يقولون لا تبعد وهم يدفنونه * ولا بعد إلا ما توارى الصفائح (بالله) متعلق بسيحلفون، أو هو من جملة كلامهم، والقول مراد في الوجهين: أي سيحلفون يعنى المتخلفين عند رجوعك من غزوة تبوك معتذرين يقولون بالله (لو استطعنا لخرجنا معكم) أو سيحلفون بالله يقولون لو استطعنا. وقوله لخرجنا سد مسد جوابي القسم ولو جميعا، والإخبار بما سوف يكون بعد القفول من حلفهم واعتذارهم، وقد كان من جملة المعجزات، ومعنى الاستطاعة: استطاعة العدة أو استطاعة الأبدان كأنهم تمارضوا وقرئ لو استطعنا بضم الواو تشبيها لها بواو الجمع في قوله فتمنوا الموت (يهلكون أنفسهم) إما أن يكون بدلا من سيحلفون أو حالا بمعنى مهلكين، والمعنى: أنهم يوقعونها في الهلاك بحلفهم الكاذب وما يحلفون عليه من التخلف، ويحتمل أن يكون حالا من قوله " لخرجنا " أي لخرجنا معكم وإن أهلكنا أنفسنا وألقيناها في التهلكة بما نحملها من المسير في تلك الشقة، وجاء به على لفظ الغائب لأنه مخبر عنهم، ألا ترى أنه لو قيل سيحلفون بالله لو استطاعوا لخرجوا لكان سديدا، يقال حلف بالله ليفعلن ولأفعلن، فالغيبة على حكم الإخبار والتكلم على الحكاية
(١٩١)
مفاتيح البحث: سبيل الله (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»