الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٨٩
واعلموا أن الله مع المتقين. إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدى الكافرين. يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض، أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة
____________________
حال من الفاعل أو المفعول (مع المتقين) ناصر لهم، حثهم على التقوى بضمان النصر لأهلها. والنسئ: تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر، وذلك أنهم كانوا أصحاب حروب وغارات، فإذا جاء الشهر الحرام وهم محاربون شق عليهم ترك المحاربة فيحلونه ويحرمون مكانه شهرا آخر حتى رفضوا تحصيص الأشهر الحرم بالتحريم، فكانوا يحرمون من شق شهور العام أربعة أشهر، وذلك قوله تعالى (ليواطئوا عدة ما حرم الله) أي ليوافقوا العدة التي هي الأربعة ولا يخالفوها، وقد خالفوا التخصيص الذي هو أحد الواجبين، وربما زادوا في عدد الشهور فيجعلونها ثلاثة عشر أو أربعة عشر ليتسع لهم الوقت، ولذلك قال عز وعلا - إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا - يعنى من غير زيادة زادوها. والضمير في يحلونه ويحرمونه للنسئ: أي إذا أحلوا شهرا من الأشهر الحرم عاما رجعوا فحرموه في العام القابل. يروى أنه حدث ذلك في كنانة لأنهم كانوا فقراء محاويج إلى الغارة، وكان جنادة بن عوف الكناني مطاعا في الجاهلية، وكان يقوم على جمل في الموسم فيقول بأعلى صوته: إن آلهتكم قد أحلت لكم المحرم فأحلوه، ثم يقوم في القابل فيقول: إن آلهتكم قد حرمت عليكم المحرم فحرموه، جعل النسئ زيادة في الكفر لأن الكفار كلما أحدث معصية ازداد كفرا - فزادتهم رجسا إلى رجسهم - كما أن المؤمن إذا أحدث طاعة ازداد إيمانا - فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون - وقرئ يضل على البناء للمفعول، ويضل بفتح الياء والضاد، ويضل على أن الفعل لله عز وجل. وقرأ الزهري ليوطئوا بالتشديد، والنسئ مصدر نسأه إذا أخره، يقال نسأه نسأ ونساء ونسيئا كقولك مسه مسا ومساسا ومسيسا. وقرئ بهن جميعا. وقرئ النسى بوزن الندى، والنسى بوزن النهى وهما تخفيف النسئ والنسء. فإن قلت: ما معنى قوله (فيحلوا ما حرم الله)؟ قلت: معناه فيحلوا بموطأة العدة وحدها من غير تخصيص ما حرم الله من القتال أو من ترك الاختصاص للأشهر بعينها (زين لهم سوء أعمالهم) خذلهم الله فحسبوا أعمالهم القبيحة حسنة (والله لا يهدى) أي لا يلطف بهم بل يخذلهم. وقرئ " زين لهم سوء أعمالهم " على البناء للفاعل وهو الله عز وجل (اثاقلتم) تثاقلتم وبه قرأ الأعمش: أي تباطأتم وتقاعستم، وضمن معنى الميل والإخلاد فعدى بإلى. والمعنى: ملتم إلى الدنيا وشهواتها وكرهتم مشاق السفر ومتاعبه ونحوه - أخلد إلى الأرض واتبع هواه - وقيل ملتم إلى الإقامة بأرضكم ودياركم. وقرئ أثاقلتم على الاستفهام الذي معناه الإنكار والتوبيخ.
فإن قلت: فما العامل في إذا وحرف الاستفهام مانعة أن يعمل فيه؟ قلت: ما دل عليه قوله اثاقلتم أو ما في مالكم من معنى الفعل كأنه قيل: ما تصنعون إذا قيل لكم كما تعمله في الحال إذا قلت مالك قائما، وكان ذلك في غزوة تبوك في سنة عشر بعد رجوعهم من الطائف استنفروا في وقت عسرة وقحط وقيظ مع بعد الشقة وكثرة العدو
(١٨٩)
مفاتيح البحث: سبيل الله (1)، الضلال (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 ... » »»