الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٨٦
وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون. يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله
____________________
وتحليل ما حرم الله وتحريم ما حلله كما تطاع الأرباب في أوامرهم، ونحوه تسمية أتباع الشيطان فيما يوسوس به عباده، بل كانوا يعبدون الجن - يا أبت لا تعبد الشيطان - وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه: " انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب فقال: أليسوا يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرمه فتحلونه؟ قلت: بلى، قال: فتلك عبادتهم ". وعن فضيل رضي الله عنه: ما أبالى أطعت مخلوقا في معصية الخالق أو صليت لغير القبلة. وأما المسيح فحين جعلوه ابنا لله فقد أهلوه للعبادة، ألا ترى إلى قوله - قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين - (وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا) أمرتهم بذلك أدلة العقل والنصوص في الإنجيل والمسيح عليه السلام " إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة " (سبحانه) تنزيه له عن الإشراك به واستبعاد له، ويجوز أن يكون الضمير في وما أمروا للمتخذين أربابا: أي وما أمر هؤلاء الذين هم عندهم أرباب إلا ليعبدوا الله ويوحدوه، فيكف يصح أن يكونوا أربابا وهم مأمورون مستعبدون مثلهم مثل حالهم في طلبهم أن يبطلوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بالتكذيب بحال من يريد أن ينفخ في نور عظيم منبث في الآفاق: يريد الله أن يزيده ويبلغه الغاية القصوى في الإشراق أو الإضاءة ليطفئه بنفخه ويطمسه (ليظهره) ليظهر الرسول عليه السلام (على الدين كله) على أهل الأديان كلهم، أو ليظهر دين الحق على كل دين. فإن قلت: كيف جاز أبى الله إلا كذا، ولا يقال كرهت أو أبغضت إلا زيدا؟ قلت: قد أجرى أبى مجرى لم يرد ألا ترى كيف قوبل يريدون أن يطفئوا بقوله - ويأبى الله - وكيف أوقع موقع ولا يريد الله إلا أن يتم نوره. معنى أكل الأموال على وجهين: إما أن يستعار الأكل للأخذ، ألا ترى إلى قولهم: أخذ الطعام وتناوله. وإما على أن الأموال يؤكل بها فهي سبب الأكل، ومنه قوله:
إن لنا أحمرة عجافا * يأكلن كل ليلة إكافا يريد علفا يشرى بثمن إكاف، ومعنى أكلهم بالباطل أنهم كانوا يأخذون الرشا في الأحكام والتخفيف والمسامحة
(١٨٦)
مفاتيح البحث: سبيل الله (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 ... » »»