الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٩٠
فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل. إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شئ قدير. إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى
____________________
فشق عليهم. وقيل ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة إلا ورى عنها بغيرها إلا في غزوة تبوك ليستعد الناس تمام العدة (من الآخرة) أي بدل الآخرة كقوله - لجعلنا منكم ملائكة - (في الآخرة) في جنب الآخرة (إلا تنفروا) سخط عظيم على المتثاقلين حيث أوعدهم بعذاب أليم مطلق يتناول عذاب الدارين وأنه يهلكهم ويستبدل بهم قوما آخرين خيرا منهم وأطوع، وأنه غنى عنهم في نصرة دينه لا يقدح تثاقلهم فيها شيئا. وقيل الضمير للرسول أي ولا تضروه لأن الله وعده أن يعصمه من الناس وأن ينصره ووعد الله كائن لا محالة. وقيل يريد بقوله قوما غيركم أهل اليمن، وقيل أبناء فارس، والظاهر مستغن عن التخصيص. فإن قلت: كيف يكون قوله (فقد نصره الله) جوابا للشرط؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما إلا تنصروه فسينصره من نصره حين لم يكن معه إلا رجل واحد ولا أقل من الواحد، فدل بقوله - فقد نصره الله - على أنه ينصره في المستقبل كما نصره في ذلك الوقت.
والثاني أنه أوجب له النصرة وجعله منصورا في ذلك الوقت فلن يخذل من بعده. وأسند الإخراج إلى الكفار كما أسنده إليهم في قوله - من قريتك التي أخرجتك - لأنهم حين هموا بإخراجه أذن الله له في الخروج فكأنهم أخرجوه (ثاني اثنين) أحد اثنين كقوله ثالث ثلاثة، وهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق رضي الله عنه.
يروى أن جبريل عليه السلام لما أمره بالخروج قال: من يخرج معي؟ قال أبو بكر. وانتصابه على الحال. وقرئ ثاني اثنين بالسكون، و (إذ هما) بدل من إذ أخرجه. والغار نقب في أعلى ثور وهو جبل في يمين مكة على مسيرة ساعة مكثا فيه ثلاثا (إذ يقول) بدل ثان، قيل طلع المشركون فوق الغار فأشفق أبو بكر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن تصب اليوم ذهب دين الله، فقال عليه الصلاة والسلام: ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ وقيل لما دخلا الغار بعث الله تعالى حمامتين فباضتا في أسفله والعنكبوت فنسجت عليه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم أعم أبصارهم، فجعلوا يترددون حول الغار ولا يفطنون، قد أخذ الله بأبصارهم عنه. وقالوا: من أنكر صحبة أبى بكر رضي الله عنه فقد كفر لإنكاره كلام الله، وليس ذلك لسائر الصحابة (سكينته) ما ألقى في قلبه من الأمنة التي سكن عندها وعلم أنهم لا يصلون إليه. والجنود: الملائكة يوم بدر
(١٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 ... » »»