الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٩٤
لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين. لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون. ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني، ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين. إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم
____________________
والزمني الذين شأنهم القعود والجثوم في البيوت وهم القاعدون والخالفون والخوالف ويبينه قوله تعالى - رضوا بأن يكونوا مع الخوالف -. (إلا خبالا) ليس من الاستثناء المنقطع في شئ كما يقولون، لأن الاستثناء المنقطع هو أن يكون المستثنى من غير جنس المستثنى منه كقولك؟ ما زادوكم خيرا إلا خبالا، والمستثنى منه في هذا الكلام غير مذكور، وإذا لم يذكر وقع الاستثناء من أعم العام الذي هو الشئ فكان استثناء متصلا، لأن الخبال بعض أعم العام، كأنه قيل: ما زادوكم شيئا إلا خبالا. والخبال: الفساد والشر (ولأوضعوا خلالكهم) ولسعوا بينكم بالتضريب والنمائم وإفساد ذات البين، يقال وضع البعير وضعا إذا أسرع وأوضعته أنا، والمعنى: ولأوضعوا ركائبهم بينكم والمراد الإسراع بالنمائم لأن الراكب أسرع من الماشي. وقرأ ابن الزبير رضي الله عنه ولأرقصوا من رقصت الناقة رقصا إذا أسرعت وأرقصتها، قال: * والمراقصات إلى منى فالغبغب * وقرئ ولأوفضوا. فإن قلت:
كيف خط في المصحف ولا أوضعوا بزيادة ألف؟ قلت: كانت الفتحة تكتب ألفا قبل الخط العربي والخط العربي اخترع قريبا من نزول القرآن، وقد بقى من ذلك الألف أثر في الطباع فكتبوا صورة الهمزة ألفا وفتحتها ألفا أخرى، ونحوه أو - لا أذبحنه - (يبغونكم الفتنة) يحاولون أن يفتنوكم بأن يوقعوا الخلاف فيما بينكم ويفسدوا نياتكم في مغزاكم (وفيكم سماعون لهم) أي نمامون يسمعون حديثكم فينقلونه إليهم، أو فيكم قوم يسمعون للمنافقين ويطيعونهم (لقد ابتغوا الفتنة) أي العنت ونصب الغوائل والسعي في تشتيت شملك وتفريق أصحابك عنك كما فعل عبد الله بن أبي يوم أحد حين انصرف بمن معه. وعن ابن جريج رضي الله عنه. وقفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الثنية ليلة العقبة وهم اثنا عشر رجلا ليفتكوا به (من قبل) من قبل غزوة تبوك (وقبلوا لك الأمور) ودبروا لك الحيل والمكايد ودوروا الآراء في إبطال أمرك. وقرئ وقلبوا بالتخفيف (حتى جاء الحق) وهو تأييدك ونصرك (وظهر أمر الله) وغلب دينه وعلا شرعه (ائذن لي) في القعود (ولا تفتني) ولا توقعني في الفتنة وهى الإثم بأن لا تأذن لي فإني إن تخلفت بغير إذنك أثمت. وقيل ولا تلقني في الهلكة فإني إذا خرجت معك هلك مالي وعيالي، وقيل قال الجد بن قيس قد علمت الأنصار أنى مستهتر بالنساء فلا تفتني ببنات الأصفر: يعنى نساء الروم ولكني أعينك بمالي فاتركني. وقرئ ولا تفتني من أفتنه (ألا في الفتنة سقطوا) أي إن الفتنة هي التي سقطوا فيها وهى فتنة التخلف، وفي مصحف أبى رضي الله عنه سقط لأن " من " موحد اللفظ مجموع المعنى (لمحيطة بالكافرين) يعنى أنها تحيط بهم يوم القيامة أو هي محيطة بهم الآن لأن أسباب الإحاطة معهم فكأنهم في وسطها (إن تصبك) في بعض الغزوات (حسنة) ظفر وغنيمة (تسؤهم وإن تصبك مصيبة) نكبة وشدة في بعضها نحو ما جرى في يوم أحد يفرحوا بحالهم في الانحراف عنك، و (يقولوا قد أخذنا أمرنا) أي أمرنا الذي نحن متسمون به من الحذر والتيقظ والعمل بالحزم (من قبل) من قبل ما وقع. وتولوا عن مقام التحدث بذلك والاجتماع له إلى أهاليهم (وهم
(١٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 ... » »»