الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٨٠
ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين. أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدى القوم الظالمين. الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون. يبشرهم ربهم
____________________
ضوؤه " فإن قلت: هلا ذكر الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: لم علم وشهر أن الإيمان بالله تعالى قرينته الإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام لاشمال كلمة الشهادة والأذان والإقامة وغيرها عليهما مقترنين مزدوجين كأنهما شئ واحد غير منفك أحدهما عن صاحبه انطوى تحت ذكر الإيمان بالله تعالى الإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام. وقيل دل عليه بذكر إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة. فإن قلت: كيف قيل (ولم يخش إلا الله) والمؤمن يخشى المحاذير ولا يتمالك أن لا يخشاها؟ قلت: هي الخشية والتقوى في أبواب الدين، وأن لا يختار على رضا الله رضا غيره لتوقع مخوف، وإذا اعترضه أمران أحدهما حق الله والآخر حق نفسه أن يخاف الله فيؤثر حق الله على حق نفسه. وقيل كانوا يخشون الأصنام ويرجونها، فأريد نفى تلك الخشية عنهم (فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) تبعيد للمشركين عن مواقف الاهتداء وحسم لأطماعهم من الانتفاع بأعمالهم التي استعظموها وافتخروا بها وأملوا عاقبتها بأن الذين آمنوا وضموا إلى إيمانهم العمل بالشرائع مع استشعار الخشية والتقوى اهتداؤهم دائر بين عسى ولعل، فما بال المشركين يقطعون أنهم مهتدون ونائلون عند الله الحسنى. في هذا الكلام ونحوه لطف للمؤمنين في ترجيح الخشية على الرجاء ورفض الاغترار بالله تعالى. السقاية والعمارة مصدران من سقى وعمر كالصيانة والوقاية، ولابد من مضاف محذوف تقديره (أجعلتم) أهل (سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله) وتصدقه قراءة ابن الزبير وأبى وجزة السعدي وكان من القراء: سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام. والمعنى:
إنكار أن يشبه المشركون بالمؤمنين وأعمالهم المحبطة بأعمالهم المثبتة وأن يسوى بينهم، وجعل تسويهم ظلما بعد ظلمهم بالكفر. وروى أن المشركين قالوا لليهود: نحن سقاة الحجيج وعمار المسجد الحرام، أفنحن أفضل أم محمد وأصحابه؟ فقالت لهم اليهود: أنتم أفضل. وقيل إن عليا رضي الله عنه قال للعباس: يا عم ألا تهاجرون ألا تلحقون برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ألست في أفضل من الهجرة أسقى حاج بيت الله وأعمر المسجد الحرام؟ فلما نزلت قال للعباس: ما أراني إلا تارك سقايتنا، فقال عليه الصلاة والسلام " أقيموا على سقايتكم فإن لكم فيها خيرا " هم (أعظم درجة عند الله) من أهل السقاية والعمارة عندكم (وأولئك هم الفائزون) لا أنتم والمختصون بالفوز دونكم قرئ يبشرهم بالتخفيف والتثقيل. وتنكير المبشر به لوقوعه وراء صفة الواصف وتعريف المعرف. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هي في المهاجرين خاصة. كان قبل فتح مكة من آمن لم يتم إيمانه إلا بأن يهاجر ويصارم أقاربه الكفرة ويقطع موالاتهم، فقالوا: يا رسول الله إن نحن اعتزلنا من خالفنا في الدين قطعنا آباءنا وأبناءنا وعشائرنا وذهبت تجارتنا وهلكت أموالنا وخربت ديارنا وبقينا ضائعين، فنزلت فهاجروا، فجعل الرجل يأتيه ابنه أو أبوه أو أخوه أو بعض أقاربه فلا يلتفت إليه ولا ينزله ولا ينفق عليه، ثم رخص لهم بعد ذلك. وقيل نزلت في التسعة الذين ارتدوا ولحقوا بمكة، فنهى الله تعلى عن موالاتهم. وعن النبي صلى الله عليه وسلم " لا يطعم أحدكم
(١٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 ... » »»