الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٨٧
والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم.
يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم
____________________
في الشرائع (والذين يكنزون) يجوز أن يكون إشارة إلى الكثير من الأحبار والرهبان للدلالة على اجتماع خصلتين مذمومتين فيهم: أخذ البراطيل، وكنز الأموال والضن بها عن الإنفاق في سبيل الخير. ويجوز أن يراد المسلمون الكانزون غير المنفقين، ويقرن بينهم وبين المرتشين من اليهود والنصارى تغليظا ودلالة على أن من يأخذ منهم السحت ومن لا يعطى منكم طيب ما له سواء في استحقاق البشارة بالعذاب الأليم. وقيل نسخت الزكاة آية الكنز، وقيل هي ثابتة، وإنما عنى بترك الإنفاق في سبيل الله منع الزكاة. وعن النبي صلى الله عليه وسلم " ما أدى زكاته فليس بكنز وإن كان باطنا، وما بلغ أن يزكى فلم يزك فهو كنز وإن كان ظاهرا " وعن عمر رضي الله عنه أن رجلا سأله عن أرض له باعها فقال: أحرز مالك الذي أخذت، احفر له تحت فراش امرأتك، قال: أليس بكنز؟
قال: ما أدى زكاته فليس بكنز. وعن ابن عمر رضي الله عنهما: كل ما أديت زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين، وما لم تؤد زكاته فهو الذي ذكر الله تعالى وإن كان على ظهر الأرض. فان قلت: فما تصنع بما روى سالم بن الجعد رضي الله عنه أنها لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تبا للذهب، تبا للفضة، قالها ثلاثا، فقالوا له: أي مال نتخذ؟ قال: لسانا ذاكرا وقلبا خاشعا وزوجة تعين أحدكم على دينه " وبقوله عليه الصلاة والسلام " من ترك صفراء أو بيضاء كوى بها " وتوفى رجل فوجد في مئزره دينار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كية، وتوفى آخر فوجد في مئزره ديناران فقال: كيتان ". قلت: كان هذا قبل أن تفرض الزكاة، فأما بعد فرض الزكاة فالله أعدل وأكرم من أن يجمع عبده مالا من حيث أذن له فيه ويؤدى عنه ما أوجب عليه فيه ثم يعاقبه، ولقد كان كثير من الصحابة كعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله وعبيد الله رضي الله عنهم يقتنون الأموال ويتصرفون فيها وما عابهم أحد ممن أعرض عن القنية، لأن الإعراض اختيار للأفضل والأدخل في الورع والزهد في الدنيا، والاقتناء مباح موسع لا يذم صاحبه ولكل شئ حد، وما روى عن علي رضي الله عنه : أربعة آلاف فما دونها نفقة فما زاد فهو كنز، كلام في الأفضل. فإن قلت: لم قيل ولا ينفقونها وقد ذكر شيئان؟ قلت: ذهابا بالضمير إلى المعنى دون اللفظ، لأن كل واحد منهما جملة وافية وعدة كثيرة ودنانير ودراهم فهو كقوله - وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا - وقيل ذهب به إلى الكنوز، وقيل إلى الأموال، وقيل معناه: ولا ينفقونها والذهب، كما أن معنى قوله: * فإني وقياربها لغريب * وقيار كذلك. فإن قلت:
لم خصا بالذكر من بين سائر الأموال؟ قلت: لأنهما قانون التمول وأثمان الأشياء ولا يكنزهما إلا من فضلا عن حاجته ومن كثرا عنده حتى يكنزهما لم يعدم سائر أجناس المال، فكان ذكر كنزهما دليلا على ما سواهما. فإن قلت ما معنى قوله (يحمى عليها) وهلا قيل تحمى من قولك حمى الميسم وأجميته ولا تقول أحميت على الحديد؟
(١٨٧)
مفاتيح البحث: سبيل الله (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 ... » »»