الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٨٨
هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون. إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشكرين كافة كما يقاتلونكم كافة
____________________
قلت: معناه أن النار تحمى عليها: أي توقد ذات حمى وحر شديد من قوله - نار حامية - ولو قيل " يوم تحمى " لم يعط هذا المعنى. فإن قلت: فإذا كان الإحماء للنار فلم ذكر الفعل؟ قلت: لأنه مسند إلى الجار والمجرور، أصله يوم تحمى النار عليها، فلما حذفت النار قيل يحمى عليها لانتقال الإسناد عن النار إلى عليها كما تقول: رفعت القصة إلى الأمير، فإن لم تذكر القصة قلت رفع إلى الأمير. وعن ابن عامر أنه قرأ تحمى بالتاء. وقرأ أبو حياة فيكوى بالياء. فإن قلت: لم خصت هذه الأعضاء؟ قلت: لأنهم لم يطلبوا بأموالهم حيث لم ينفقوها في سبيل الله إلا الأغراض الدنيوية من وجاهة عند الناس وتقدم، وأن يكون ماء وجوههم مصونا عندهم يتلقون بالجميل ويحيون بالإكرام ويبجلون ويحتشمون، ومن أكل طيبات يتضلعون منها وينفخون جنوبهم، ومن لبس ناعمة من الثياب يطرحونها على ظهورهم، كما ترى أغنياء زمانك هذه أغراضهم وطلباتهم من أموالهم، لا يخطرون ببالهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ذهب أهل الدثور بالأجور ". وقيل لأنهم كانوا إذا أبصروا الفقير عبسوا، وإذا ضمهم وإياه مجلس ازوروا عنه وتولوا بأركانهم وولوه ظهورهم. وقيل معناه: يكوون على الجهات الأربع مقاديهم ومآخيرهم وجنوبهم (هذا ما كنزتم) على إرادة القول وقوله (لأنفسكم) أي كنزتموه لتنتفع به نفوسكم وتلتذ وتحصل لها الأغراض التي حامت حولها، وما علمتم أنكم كنزتموه لتستضر به أنفسكم وتتعذب وهو توبيخ لهم (فذوقوا ما كنتم تكنزون) وقرئ تكنزون بضم النون: أي وبال المال الذي كنتم تكنزونه، أو وبال كونكم كانزين (في كتاب الله) فيما أثبته وأوجبه من حكمه ورآه حكمة وصوابا. قيل في اللوح (أربعة حرم) ثلاثة سرد: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وواحد فرد وهو رجب. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام في خطبته في حجة الوداع " ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم: ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان " والمعنى: رجعت الأشهر إلى ما كانت عليه وعاد الحج في ذي الحجة وبطل النسئ الذي كان في الجاهلية، وقد وافقت حجة الوداع ذا الحجة، وكانت حجة أبى بكر رضي الله عنه قبلها في ذي القعدة (ذلك الدين القيم) يعنى أن تحريم الأشهر الأربعة هو الدين المستقيم دين إبراهيم وإسماعيل، وكانت العرب قد تمسكت به وراثة منهما، وكانوا يعظمون الأشهر الحرم ويحرمون القتال فيها حتى لو لقى الرجل قاتل أبيه أو أخيه لم يهجه، وسموا رجبا الأصم ومنصل الأسنة حتى أحدثت النسئ فغيروا (فلا تظلموا فيهن) في الحرم (أنفسكم) أي لا تجعلوا حرامها حلالا. وعن عطاء: تالله ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم ولا في الأشهر الحرم إلا أن يقاتلوا وما نسخت. وعن عطاء الخراساني رضي الله عنه: أحلت القتال في الأشهر الحرم - براءة من الله ورسوله - وقيل معناه: لا تأتموا فيهن بيانا لعظم حرمتهن كما عظم أشهر الحج يقوله تعالى - فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق - الآية. وإن كان ذلك محرما في سائر الشهور (كافة)
(١٨٨)
مفاتيح البحث: القتل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 ... » »»