الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٧٩
شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم فيها خالدون.
إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة
____________________
القرآن من تصريح بذلك، و (شاهدين) حال من الواو في يعمروا. والمعنى: ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متنافيين عمارة متعبدات الله مع الكفر بالله وبعبادته. ومعنى شهادتهم على أنفسهم بالكفر ظهور كفرهم، وأنهم نصبوا أصنامهم حول البيت وكانوا يطوفون عراة ويقولون: لا نطوف عليها بثياب قد أصبنا فيها المعاصي وكلما طافوا بها شوطا سجدوا لها. وقيل هو قولهم: لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك. وقيل قد أقبل المهاجرون والأنصار على أسارى بدر فعيروهم بالشرك، فطفق علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوبخ العباس بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقطيعة الرحم وأغلظ له في القول، فقال العباس: تذكرون مساوينا وتكتمون محاسننا؟ فقال: أولكم محاسن؟ قالوا نعم، ونحن أفضل منكم أجرا، إنا لنعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونسقى الحجيج ونفك العاني، فنزلت (حبطت أعمالهم) التي هي العمارة والحجابة والسقاية وفك العناة، وإذا هدم الكفر أو الكبيرة الأعمال الثابتة الصحيحة إذا تعقبها فما ظنك بالمقارن، وإلى ذلك أشار في قوله - شاهدين - حيث جعله حالا عنهم، ودل على أنهم قارنون بين العمارة والشهادة بالكفر على أنفسهم في حال واحدة، وذلك محال غير مستقيم (إنما يعمر مساجد الله) وقرئ بالتوحيد: أي إنما تستقيم عمارة هؤلاء وتكون معتدا بها، والعمارة تتناول رم ما استرم منها وقمها وتنظيفها وتنويرها بالمصابيح وتعظيمها واعتيادها للعبادة والذكر، ومن الذكر درس العلم بل هو أجله وأعظمه وصيانتها مما لم تبن له المساجد من أحاديث الدنيا فضلا عن فضول الحديث.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم " يأتي في آخر الزمان ناس من أمتي يأتون المساجد فيقعدون فيها حلقا ذكرهم الدنيا وجب الدنيا، ولا تجالسوهم فليس لله بهم حاجة " وفي الحديث " الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش " وقال عليه الصلاة والسلام " قال الله تعالى: إن بيوتي في أرضى المساجد، وإن زواري فيها عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي، فحق على المزور أن يكرم زائره " وعنه عليه الصلاة والسلام " من " ألف المساجد ألفه الله ". وقال عليه الصلاة والسلام " إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان " وعن أنس رضي الله عنه: " من أسرج في مسجد سراجا لم تزل الملائكة وجملة العرش تستغفر له ما دام في ذك المسجد
(١٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 ... » »»