الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٨٤
وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم. قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
____________________
من دخوله، ونهى المشركين أن يقربوه راجع إلى نهى المسلمين عن تمكينهم منه. وقيل المراد أن يمنعوا من تولى المسجد الحرام والقيام بمصالحه ويعزلوا عن ذلك (وإن خفتم عيلة) أي فقرا بسبب منع المشركين من الحج وما كان لكم في قدومهم عليكم من الإرفاق والمكاسب (فسوف يغنيكم الله من فضله) من عطائه أو من تفضله بوجه آخر، فأرسل السماء عليهم مدرارا، فأغزر بها خيرهم وأكثر ميرهم، وأسلم أهل تبالة وجرش فحملوا إلى مكة الطعام وما يعاش به، فكان ذلك أعود عليهم مما خافوا العيلة لفواته. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ألقى الشيطان في قلوبهم الخوف وقال: من أين تأكلون؟ فأمرهم الله بقتال أهل الكتاب وأغناهم بالجزية. قيل بفتح البلاد والغنائم.
وقرئ عائلة بمعنى المصدر كالعافية أو حالا عائلة، ومعنى قوله (إن شاء) الله إن أوجبت الحكمة إغناءكم وكان مصلحة لكم في دينكم (إن الله عليم) بأحوالكم (حكيم) لا يعطى ولا يمنع إلا عن حكمة وصواب (من الذين أوتوا الكتاب) بيان للذين مع ما في حيزه، نفى عنهم الإيمان بالله لأن اليهود مثنية والنصارى مثلثة، وإيمانهم باليوم الآخر لأنهم فيه على خلاف ما يجب وتحريم ما حرم الله ورسوله، لأنهم لا يحرمون ما حرم في الكتاب والسنة. وعن أبي روق: لا يعملون بما في التوراة والإنجيل، وأن يدينوا دين الحق، وأن يعتقدوا دين الإسلام الذي هو الحق وما سواه الباطل. وقيل دين الله، يقال فلان يدين بكذا: إذا اتخذه دينه ومعتقده. سميت جزية لأنها طائفة مما على أهل الذمة أن يجزوه: أي يقضوه، أو لأنهم يجزون بها من من عليهم بالإعفاء عن القتل (عن يد) إما أن يراد يد المعطى أو الآخذ، فمعناه على إرادة يد المعطى حتى يعطوها عن يد: أي عن يد مؤاتية غير ممتنعة، لأن من أبى وامتنع لم يعط يده بخلاف المطيع المنقاد، ولذلك قالوا أعطى بيده: إذا انقاد وأصحب، ألا ترى إلى قولهم نزع يده عن الطاعة كما يقال خلع ربقة الطاعة عن عنقه أو حتى يعطوها عن يد إلى يد نقدا غير نسيئة لا مبعوثا على يد أحد ولكن عن يد المعطى إلى يد الآخذ. وأما على إرادة يد الآخذ فمعناه: حتى يعطوها عن يد قاهرة مستولية أو عن إنعام عليهم، لأن قبول الجزية منهم، وترك أرواحهم لهم نعمة عظيمة عليهم (وهم صاغرون) تؤخذ منهم على الصغار والذل وهو أن يأتي بها بنفسه ماشيا غير راكب ويسلمها وهو قائم والمتسلم جالس وأن يتلتل تلتلة ويؤخذ بتلبيبه ويقال له أد الجزية وإن كان يؤديها ويزخ في قفاه. وتسقط بالإسلام عند أبي حنيفة ولا يقسط به خراج الأرض. واختلف فيمن تضرب عليه، فعند أبي حنيفة تضرب على كل كافر من ذمي ومجوسي وصابئ وحربي إلا على مشركي العرب وحدهم. روى الزهري أن رسول الله صلى عليه وسلم صالح
(١٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 ... » »»