الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٧٨
أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين. قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم. أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون. ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد الله
____________________
صدموكم. ونجهم بترك مقاتلتهم وحضهم عليها، ثم وصفهم بما يوجب الحض عليها، ويقرر أن من كان في مثل صفاتهم من نكث العهد وإخراج الرسول والبدء بالقتال من غير موجب حقيق بأن لا تترك مصادمته وأن يوبخ من فرط فيها (أتخشونهم) تقرير بالخشية منهم وتوبيخ عليها (فالله أحق أن تخشوه) فتقاتلوا أعداءه (إن كنتم مؤمنين) يعنى أن قضية الإيمان الصحيح أن لا يخشى المؤمن إلا ربه ولا يبالي بمن سواه كقوله تعالى - ولا يخشون أحدا إلا الله -. ولما وبخهم الله على ترك القتال جرد لهم الأمر به فقال (قاتلوهم) ووعدهم ليثبت قلوبهم ويصحح ونياتهم أنه يعذبهم بأيديهم قتلا ويخزيهم أسرا ويوليهم النصر والغلبة عليهم (ويشف صدورهم) طائفة من المؤمنين وهم خزاعة.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: هم بطون من اليمن وسبأ قدموا مكة فأسلموا فلقوا من أهلها أذى شديدا، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون إليه، فقال: أبشروا فإن الفرج قريب (ويذهب غيظ) قلوبكم لما لقيتم منهم من المكروه، وقد حصل الله لهم هذه المواعيد كلها فكان ذلك دليلا على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحة نبوته (ويتوب الله على من يشاء) ابتداء كلام وإخبار بأن بعض أهل مكة يتوب عن كفره، وكان ذلك أيضا فقد أسلم ناس منهم وحسن إسلامهم. وقرئ ويتوب بالنصب بإضمار أن ودخول التوبة في جملة ما أجيب به الأمر من طريق المعنى (والله عليم) يعلم ما سيكون كما يعلم ما قد كان (حكيم) لا يفعل إلا ما اقتضته الحكمة (أم) منقطعة، ومعنى الهمزة فيها التوبيخ على وجود الحسبان، والمعنى: أنكم لا تتركون على ما أنتم عليه حتى يتبين الخلص منكم وهم الذين جاهدوا في سبيل الله لوجه الله ولم يتخذوا وليجة: أي بطانة من الذين يضادون رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين رضوان الله عليهم (ولما) معناها التوقع، وقد دلت على أن تبين ذلك وإيضاحه متوقع كائن، وأن الذين لم يخلصوا دينهم لله يميز بينهم وبين المخلصين، وقوله (ولم يتخذوا) معطوف على جاهدوا داخل في حيز الصلة كأنه قيل: ولما يعلم الله المجاهدين منكم والمخلصين غير المتخذين وليجة من دون الله، والوليجة فعيلة من ولج كالدخيلة من دخل، والمراد بنفي العلم نفى المعلوم كقول القائل: ما علم الله منى ما قيل في، يريد ما وجد ذلك منى (ما كان للمشركين) ما صح لهم وما استقام (أن يعمروا مسجد الله) يعنى المسجد الحرام لقوله - وعمارة المسجد الحرام - وأما القراءة بالجمع ففيها وجهان: أحدهما أن يراد المسجد الحرام، وإنما قيل مساجد لأنه قبلة المساجد كلها وإمامها، فعامره كعامر جميع المساجد، ولأن كل بقعة منه مسجد. والثاني أن يراد جنس المساجد، وإذا لم يصلحوا لأن يعمروا جنسها دخل تحت ذلك أن لا يعمروا المسجد الحرام الذي هو صدر الجنس ومعدمته، وهو آكد لأن طريقته طريقة الكناية كما لو قلت فلان لا يقرأ كتب الله كنت أنفى لقراءته
(١٧٨)
مفاتيح البحث: السجود (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 ... » »»