الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٢٧٠
هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات
____________________
قلت: يجوز أن يراد به الإحياء في القبر، وبالرجوع النشور، وأن يراد به النشور وبالرجوع المصير إلى الجزاء. فإن قلت: لم كان العطف الأول بالفاء والإعقاب ثم؟. قلت: لأن الإحياء الأول قد تعقب الموت بغير تراخ وأما الموت فقد تراخى عن الإحياء، والإحياء الثاني كذلك متراخ عن الموت إن أريد به النشور تراخيا ظاهرا، وإن أريد به إحياء القبر فمنه يكتسب العلم بتراخيه، والرجوع إلى الجزاء أيضا متراخ عن النشور. فإن قلت: من أين أنكر اجتماع الكفر مع القصة التي ذكرها الله لأنها مشتملة على آيات بينات تصرفهم عن الكفر، أم على نعم جسام حقها أن تشكر ولا تكفر؟. قلت: يحتمل الأمرين جميعا لأن ما عدده آيات وهى مع كونها آيات من أعظم النعم (لكم) لأجلكم ولانتفاعكم به في دنياكم ودينكم، أما الانتفاع الدنيوي فظاهر، وأما الانتفاع الديني فالنظر فيه وما فيه من عجائب الصنع الدالة على الصانع القادر الحكيم:، وما فيه من التذكير بالآخرة وبثوابها وعقابها لاشتماله على أسباب الأنس واللذة من فنون المطاعم والمشارب والفواكه والمناكح والمراكب والمناظر الحسنة البهية، وعلى أسباب الوحشة والمشقة من أنواع المكاره كالنيران والصواعق والسباع والأحناش والسموم والغموم والمخاوف، وقد استدل بقوله - خلق لكم - على أن الأشياء التي يصح أن ينتفع به ولم تجر مجرى المحظورات في العقل خلقت في الأصل مباحة مطلقا لكل أحد أن يتناولها ويستنفع بها. فإن قلت: هل لقول من زعم أن المعنى خلق لكم الأرض وما فيها وجه صحة؟ قلت: إن أراد بالأرض الجهات السفلية دون الغبراء كما تذكر السماء وتراد الجهات العلوية جاز ذلك، فإن الغبراء وما فيها واقعة في الجهات السفلية. و (جميعا) نصب على الحال من الموصول الثاني.
والاستواء: الاعتدال والاستقامة، يقال استوى العود وغيره: إذا قام واعتدل، ثم قيل استوى إليه كالسهم المرسل: إذا قصده قصدا مستويا من غير أن يلوى على شئ، ومنه أستعير قوله - ثم استوى إلى السماء - أي قصد إليها بإرادته ومشيئته بعد خلق ما في الأرض من غير أن يريد فيما بين ذلك خلق شئ آخر. والمراد بالسماء جهات العلو كأنه قيل ثم استوى إلى فوق. والضمير في (فسواهن) ضمير مبهم، و (سبع سماوات) تفسيره كقولهم: ربه رجلا وقيل الضمير راجع إلى السماء والسماء في معنى الجنس، وقيل جمع سماءة، والوجه العربي هو الأول،
(٢٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 ... » »»