الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٢٦٧
يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين.
____________________
كيف تنتفع بهذا سلاحا، أو على الحال كقوله: - هذه ناقة الله لكم آية -: وقوله (يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا) جار مجرى التفسير والبيان للجملتين المصدرتين بأما وأن فريق العالمين بأنه الحق وفريق الجاهلين المستهزئين به كلاهما موصوف الكثرة، وأن العلم بكونه حقا من باب الهدى الذي ازداد به المؤمنون نورا إلى نورهم، وأن الجهل بحسن مورده من باب الضلالة التي زادت الجهلة خبطا في ظلماتهم. فإن قلت: لم وصف المهديون بالكثرة والقلة صفتهم - وقليل من عبادي الشكور - وقليل ما هم - الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة وجدت الناس أخبر تقله.
قلت: أهل الهدى كثير في أنفسهم وحين يوصفون بالقلة إنما يوصفون بها بالقياس إلى أهل الضلال، وأيضا فإن القليل من المهديين كثير في الحقيقة وإن قلوا في الصورة فسموا ذهابا إلى الحقيقة كثيرا:
إن الكرام كثير في البلاد وإن * قلوا كما غيرهم قل وإن كثروا وإسناد الإضلال إلى الله تعالى إسناد الفعل إلى السبب لأنه لما ضرب المثل فضل به قوم واهتدى به قوم تسبب لضلالهم وهداهم. وعن مالك بن دينار رحمه الله أنه دخل على محبوس قد أخذ بمال عليه وقيد، فقال: يا أبا يحيى أما ترى ما نحن فيه من القيود، فرفع مالك رأسه فرأى سلة فقال: لمن هذه السلة؟ فقال لي، فأمر بها تنزل، فإذا دجاج وأخبصة، فقال مالك: هذه وضعت القيود على رجلك. وقرأ زيد بن علي " يضل به كثير " وكذلك " وما يضل به إلا الفاسقون ". والفسق: الخروج عن القصد، قال رؤبة * فواسقا عن قصدها جوائرا * والفاسق في الشريعة: الخارج عن أمر الله بارتكاب الكبيرة، وهو النازل بين المنزلتين: أي بين منزلة المؤمن والكافر، وقالوا: إن أول من حد له هذا الحد أبو حذيفة واصل بن عطاء رضي الله عنه وعن أشياعه، وكونه بين بين أن حكمه حكم المؤمن في أنه يناكح ويوارث ويغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، وهو كالكافر في الذم واللعن والبراءة منه واعتقاد عداوته وأن لا تقبل له شهادة. ومذهب مالك بن أنس والزيدية أن الصلاة لا تجزئ
(٢٦٧)
مفاتيح البحث: الضلال (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 261 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 ... » »»