الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٢٧١
وهو بكل شئ عليم. وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون.
____________________
ومعنى تسويتهن تعديل خلقهن وتقويمه وإخلائه من العوج والفطور أو إتمام خلقهن (وهو بكل شئ عليم) فمن ثم خلقهن خلقا مستويا محكما من غير تفاوت مع خلق ما في الأرض على حسب حاجات أهلها ومنافعهم ومصالحهم فإن قلت ما فسرت به معنى الاستواء إلى السماء يناقضه ثم لإعطائه معنى التراخي والمهلة قلت:
ثم ههنا لما بين الخلقين من التفاوت وفضل خلق السماوات على خلق الأرض لا للتراخى في الوقت كقوله - ثم كان من الذين آمنوا على أنه لو كان لمعنى التراخي في الوقت لم يلزم ما اعترضت به لأن المعنى أنه حين قصد إلى السماء لم يحدث فيما بين ذلك أي في تضاعيف القصد إليها خلقا آخر فإن قلت: أما يناقض هذا قوله والأرض بعد ذلك دحاها - قلت: لا لأن جزم الأرض تقدم خلقه خلق السماء وأما دحوها فمتأخر وعن الحسن خلق الله الأرض في موضع بيت المقدس كهيئة الفهر عليها دخان ملتزق بها ثم أصعد الدخان وخلق منه السماوات وأمسك الفهر في موضعها وبسط منها الأرض فذلك قوله كانتا رتقا وهو الالتزاق (وإذا) نصب بإضمار أذكر ويجوز أن ينتصب بقالوا والملائكة جمع ملأك على الأصل كالشمائل في جمع شمأل وإلحاق التاء لتأنيث الجمع و (جاعل) من جعل الذي له مفعولان دخل على المبتدأ والخبر وهما قوله في الأرض خليفة فكانا مفعوليه ومعناه مصير في الأرض خليفة، والخليفة من يخلف غيره والمعنى خليفة منكم لأنهم كانوا سكان الأرض فخلفهم فيها آدم وذريته فإن قلت فهلا قيل خلائف أو خلفاء؟ قلت أريد بالخليفة آدم واستغنى بذكره عن ذكر بنيه كما يستغنى بذكر أبى القبيلة في قولك مضر وهاشم أو أريد من يخلفكم أو خلفا يخلفكم فوحد لذلك وقرئ " خليقة " بالقاف ويجوز أن يريد خليفة منى لأن آدم كان خليفة الله في أرضه، وكذلك كل نبي إنا جعلناك خليفة في الأرض فإن قلت لأي غرض أخبرهم بذلك؟ قلت: ليسألوا ذلك السؤال ويجابوا بما أجيبوا به فيعرفوا حكمته في استخلافهم قبل كونهم صيانة لهم عن اعتراض الشبهة في وقت استخلافهم وقيل ليعلم عباده المشاورة في أمورهم قبل أن يقدموا عليها وعرضها على ثقاتهم ونصائحهم وإن كان هو بعلمه وحكمته البالغة غنيا عن المشاورة (أتجعل فيها) تعجب من أن يستخلف مكان أهل الطاعة أهل المعصية وهو الحكيم الذي لا يفعل إلا الخير ولا يريد إلا الخير فإن قلت من أين عرفوا ذلك حتى تعجبوا منه وإنما هو غيب؟ قلت عرفوه بإخبار من الله أو من جهة اللوح، أو ثبت في علمهم أن الملائكة وحدهم هم الخلق المعصومون وكل خلق سواهم ليسوا على صفتهم أو قاسوا أحد الثقلين على الآخر حيث أسكنوا الأرض فأفسدوا فيها قبل سكنى الملائكة وقرئ " يسفك " بضم الفاء ويسفك ويسفك من أسفك وسفك والواو في (ونحن) للحال كما تقول أتحسن إلى فلان وأنا أحق منه بالإحسان؟. والتسبيح تبعيد الله من السوء. وكذا تقديسه من سبح في الأرض والماء وقدس في الأرض إذا ذهب فيها وأبعد، و (بحمدك) في موضع الحال: أي نسبح حامدين لك وملتبسين بحمدك لأنه لولا إنعامك علينا بالتوفيق واللطف لم نتمكن من عبادتك (أعلم ما لا تعلمون) أي أعلم من المصالح في ذلك ما هو خفى عليكم.
(٢٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 ... » »»