الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٢٨١
وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة
____________________
عنكم (الكتاب والفرقان) يعنى الجامع بين كونه كتابا منزلا وفرقانا يفرق بين الحق والباطل يعنى التوراة كقولك رأيت الغيث والليث تريد الرجل الجامع بين الجود والجراءة ونحوه قوله تعالى ولقد آتينا موسى وهرون الفرقان وضياء وذكرا يعنى الكتاب الجامع بين كونه فرقانا وضياء وذكرا أو التوراة والبرهان الفارق بين الكفر والإيمان من العصا واليد وغيرهما من الآيات أو الشرع الفارق بين الحلال والحرام وقيل الفرقان انفراق البحر وقيل النصر الذي فرق بينه وبين عدوه كقوله تعالى - يوم الفرقان - يريد به يوم بدر حمل قوله (فاقتلوا أنفسكم) على الظاهر وهو البخع وقيل معناه قتل بعضهم بعضا وقيل أمر من لم يعبد العجل أن يقتلوا العبدة وروى أن الرجل كان يبصر ولده ووالده وجاره وقريبه فلم يمكنهم المضي لأمر الله فأرسل الله ضبابه وسحابة سوداء لا يتباصرون تحتها وأمروا أن يحتبوا بأفنية بيوتهم ويأخذ الذين لم يعبدوا العجل سيوفهم وقيل لهم اصبروا فلعن الله من مد طرفه أو حل حبوته أو اتقى بيد أو رجل فيقولون آمين فقتلوهم إلى المساء حتى دعا موسى وهارون وقالا يا رب هلكت بنو إسرائيل البقية البقية فكشفت السحابة ونزلت التوبة فسقطت الشفار من أيديهم وكانت القتلى سبعين ألفا فإن قلت: ما الفرق بين ألفا آت؟ قلت: الأولى للتسبيب لا غير لأن الظلم سبب التوبة والثانية للتعقيب لأن المعنى فاعزموا على التوبة فاقتلوا أنفسكم من قبل أن الله تعالى جعل توبتهم قتل أنفسهم ويجوز أن يكون القتل تمام توبتهم فيكون المعنى فتوبوا فأتبعوا التوبة القتل تتمة لتوبتكم والثالثة متعلقة بمحذوف، ولا يخلو إما أن ينتظم في قول موسى لهم فتعلق بشرط محذوف كأنه قال: فإن فعلتم فقد تاب عليكم وإما أن يكون خطابا من الله تعالى لهم على طريقة الالتفات فيكون التقدير ففعلتم ما أمركم به موسى فتاب عليكم بارئكم فإن قلت: من أين اختص هذا الموضع بذكر البارئ؟ قلت: البارئ هو الذي خلق الخلق بريئا من التفاوت - ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ومتميزا بعضه من بعض بالأشكال المختلفة والصور المتباينة فكان فيه تقريع بما كان منهم من ترك عبادة العالم الحكيم الذي برأهم بلطف حكمته على الأشكال المختلفة أبرياء من التفاوت والتنافر إلى عبادة البقر التي هي مثل في الغباوة والبلادة في أمثال العرب أبلد من ثور حتى عرضوا أنفسهم لسخط الله ونزول أمره بأن يفك ما ركبه من خلقهم وينثر ما نظم من صورهم وأشكالهم حين لم يشكروا النعمة في ذلك وغمطوها بعبادة من لا يقدر على شئ منها قيل القائلون السبعون الذين صعقوا وقيل قاله عشرة آلاف منهم (جهرة) عيانا وهى مصدر من قولك جهر بالقراءة وبالدعاء كأن الذي يرى بالعين جاهر بالرؤية
(٢٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 ... » »»