كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون.
____________________
كعهده من آياته وكتبه وإنذار رسله. ومعنى قطعهم (ما أمر الله به أن يوصل) قطعهم الأرحام وموالاة المؤمنين وقيل قطعهم ما بين الأنبياء من الوصلة والاتحاد والاجتماع على الحق في إيمانهم ببعض وكفرهم ببعض. فإن قلت:
ما الأمر؟ قلت: طلب الفعل ممن هو دونك وبعثه عليه، وبه سمى الأمر الذي هو واحد الأمور لأن الداعي الذي يدعو إليه من يتولاه شبه بآمر يأمره به، فقيل له أمر تسمية للمفعول به بالمصدر كأنه مأمور به، كما قيل له شأن، والشأن: الطلب والقصد، يقال شأنت شأنه: أي قصدت قصده (هم الخاسرون) لأنهم استبدلوا النقض بالوفاء والقطع بالوصل والفساد بالصلاح وعقابها بثوابها. معنى الهمزة التي في (كيف) مثله في قولك - أتكفرون بالله - ومعكم ما يصرف عن الكفر ويدعو إلى الإيمان، وهو الإنكار والتعجب، ونظيره قولك: أتطير بغير جناح، وكيف تطير بغير جناح. فإن قلت: قولك أتطير بغير جناح إنكار للطيران لأنه مستحيل بغير جناح وأما الكفر فغير مستحيل مع ما ذكر من الإماتة والاحياء. قلت: قد أخرج في صورة المستحيل لما قوى من الصارف عن الكفر والداعي إلى الإيمان. فان قلت: فقد تبين أمر الهمزة وأنها لانكار الفعل والايذان باستحالته في نفسه أو لقوة الصارف عنه فما تقول في كيف حيث كان إنكارا للحال التي تقع عليها كفرهم؟ قلت: حال الشئ تابعة لذاته فإذا امتنع ثبوت الذات تبعه امتناع ثبوت الحال فكان إنكار حال الكفر لأنها تبيع ذات الكفر ورديفها إنكارا لذات الكفر وثباتها على طريق الكناية وذلك أقوى لإنكار الكفر وأبلغ. وتحريره أنه إذا أنكر أن يكون لكفرهم حال يوجد عليها وقد علم أن كل موجود لا ينفك عن حال وصفة عند وجوده، ومحال أن يوجد بغير صفة من الصفات كان إنكارا لوجوده على الطريق البرهاني. والواو في قوله (وكنتم أمواتا) للحال. فإن قلت: فكيف صح أن يكون حالا وهو ماض ولا يقال جئت وقام الأمير ولكن وقد قام إلا أن يضمر قد؟ قلت: لم تدخل الواو على كنتم أمواتا وحده، ولكن على جملة قوله - كنتم أمواتا - إلى - ترجعون - كأنه قيل: كيف تكفرون بالله وقصتكم هذه وحالكم أنكم كنتم أمواتا نطفا في أصلاب آبائكم فجعلكم أحياء ثم يميتكم بعد هذه الحياة ثم يحييكم بعد الموت ثم يحاسبكم؟ فإن قلت: بعض القصة ماض وبعضها مستقبل، والماضي والمستقبل كلاهما لا يصح أن يقعا حالا حتى يكون فعلا حاضرا وقت وجود ما هو حال عنه، فما الحاضر الذي وقع حالا. قلت: هو العلم بالقصة كأنه قيل كيف تكفرون وأنتم عالمون بهذه القصة بأولها وآخرها. فإن قلت: فقد آل المعنى إلى قولك على أي حال تكفرون في حال علمكم بهذه القصة فما وجه صحته؟ قلت: قد ذكرنا أن معنى الاستفهام في كيف الإنكار، وأن إنكار الحال متضمن لإنكار الذات على سبيل الكناية، فكأنه قيل: ما أعجب كفركم مع علمكم بحالكم هذه. فإن قلت:
إن اتصل علمهم بأنهم كانوا أمواتا فأحياهم ثم يميتهم فلم يتصل بالإحياء الثاني والرجوع؟ قلت: قد تمكنوا من العلم بهما بالدلائل الموصلة إليه، فكان ذلك بمنزلة حصول العلم وكثير منهم علموا ثم عاندوا. والأموات جمع ميت كالأقوال في جمع قيل. فإن قلت: كيف قيل لهم أموات في حال كونهم جمادا، وإنما يقال ميت فيما يصح فيه الحياة من البتي؟ قلت: بل يقال ذلك لعادم الحياة كقوله - بلدة ميتا - وآية لهم الأرض الميتة - أموات غير أحياء ويجوز أن يكون استعارة لاجتماعهما في أن لا روح ولا إحساس. فإن قلت: ما المراد بالإحياء الثاني؟
ما الأمر؟ قلت: طلب الفعل ممن هو دونك وبعثه عليه، وبه سمى الأمر الذي هو واحد الأمور لأن الداعي الذي يدعو إليه من يتولاه شبه بآمر يأمره به، فقيل له أمر تسمية للمفعول به بالمصدر كأنه مأمور به، كما قيل له شأن، والشأن: الطلب والقصد، يقال شأنت شأنه: أي قصدت قصده (هم الخاسرون) لأنهم استبدلوا النقض بالوفاء والقطع بالوصل والفساد بالصلاح وعقابها بثوابها. معنى الهمزة التي في (كيف) مثله في قولك - أتكفرون بالله - ومعكم ما يصرف عن الكفر ويدعو إلى الإيمان، وهو الإنكار والتعجب، ونظيره قولك: أتطير بغير جناح، وكيف تطير بغير جناح. فإن قلت: قولك أتطير بغير جناح إنكار للطيران لأنه مستحيل بغير جناح وأما الكفر فغير مستحيل مع ما ذكر من الإماتة والاحياء. قلت: قد أخرج في صورة المستحيل لما قوى من الصارف عن الكفر والداعي إلى الإيمان. فان قلت: فقد تبين أمر الهمزة وأنها لانكار الفعل والايذان باستحالته في نفسه أو لقوة الصارف عنه فما تقول في كيف حيث كان إنكارا للحال التي تقع عليها كفرهم؟ قلت: حال الشئ تابعة لذاته فإذا امتنع ثبوت الذات تبعه امتناع ثبوت الحال فكان إنكار حال الكفر لأنها تبيع ذات الكفر ورديفها إنكارا لذات الكفر وثباتها على طريق الكناية وذلك أقوى لإنكار الكفر وأبلغ. وتحريره أنه إذا أنكر أن يكون لكفرهم حال يوجد عليها وقد علم أن كل موجود لا ينفك عن حال وصفة عند وجوده، ومحال أن يوجد بغير صفة من الصفات كان إنكارا لوجوده على الطريق البرهاني. والواو في قوله (وكنتم أمواتا) للحال. فإن قلت: فكيف صح أن يكون حالا وهو ماض ولا يقال جئت وقام الأمير ولكن وقد قام إلا أن يضمر قد؟ قلت: لم تدخل الواو على كنتم أمواتا وحده، ولكن على جملة قوله - كنتم أمواتا - إلى - ترجعون - كأنه قيل: كيف تكفرون بالله وقصتكم هذه وحالكم أنكم كنتم أمواتا نطفا في أصلاب آبائكم فجعلكم أحياء ثم يميتكم بعد هذه الحياة ثم يحييكم بعد الموت ثم يحاسبكم؟ فإن قلت: بعض القصة ماض وبعضها مستقبل، والماضي والمستقبل كلاهما لا يصح أن يقعا حالا حتى يكون فعلا حاضرا وقت وجود ما هو حال عنه، فما الحاضر الذي وقع حالا. قلت: هو العلم بالقصة كأنه قيل كيف تكفرون وأنتم عالمون بهذه القصة بأولها وآخرها. فإن قلت: فقد آل المعنى إلى قولك على أي حال تكفرون في حال علمكم بهذه القصة فما وجه صحته؟ قلت: قد ذكرنا أن معنى الاستفهام في كيف الإنكار، وأن إنكار الحال متضمن لإنكار الذات على سبيل الكناية، فكأنه قيل: ما أعجب كفركم مع علمكم بحالكم هذه. فإن قلت:
إن اتصل علمهم بأنهم كانوا أمواتا فأحياهم ثم يميتهم فلم يتصل بالإحياء الثاني والرجوع؟ قلت: قد تمكنوا من العلم بهما بالدلائل الموصلة إليه، فكان ذلك بمنزلة حصول العلم وكثير منهم علموا ثم عاندوا. والأموات جمع ميت كالأقوال في جمع قيل. فإن قلت: كيف قيل لهم أموات في حال كونهم جمادا، وإنما يقال ميت فيما يصح فيه الحياة من البتي؟ قلت: بل يقال ذلك لعادم الحياة كقوله - بلدة ميتا - وآية لهم الأرض الميتة - أموات غير أحياء ويجوز أن يكون استعارة لاجتماعهما في أن لا روح ولا إحساس. فإن قلت: ما المراد بالإحياء الثاني؟