الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٢٦٦
فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا
____________________
و (أما) حرف فيه معنى الشرط ولذلك يجاب بالفاء، وفائدته في الكلام أن يعطيه فضل توكيد، تقول زيد ذاهب، فإذا قصدت توكيد ذاك وأنه لا محالة ذاهب وأنه بصدد الذهاب وأنه منه عزيمة؟ قلت: أما زيد فذاهب ولذلك قال سيبويه في تفسيره، مهما يكن من شئ فزيد ذاهب، وهذا التفسير مدل لفائدتين: بيان كونه توكيدا، وأنه في معنى الشرط ففي إيراد الجملتين مصدرتين به وإن لم يقل فالذين آمنوا يعلمون والذين كفروا يقولون إحماد عظيم لأمر المؤمنين واعتداد بعلمهم أنه الحق، ونعى على الكافرين إغفالهم حظهم وعنادهم ورميهم بالكلمة الحمقاء، و (الحق) الثابت الذي لا يسوغ إنكاره، يقال حق الأمر إذا ثبت ووجب، وحقت كلمة ربك وثوب محقق محكم النسج و (ماذا) فيه وجهان: أن يكون ذا اسما موصولا بمعنى الذي فيكون كلمتين، وأن يكون ذا مركبة مع ما مجعولتين اسما واحدا فيكون كلمة واحدة، فهو على الوجه الأول مرفوع المحل على الابتداء وخبره ذا مع صلته. وعلى الثاني منصوب المحل في حكم " ما " وحده لو قلت ما أراد الله، والأصوب في جوابه أن يجئ على الأول مرفوعا، وعلى الثاني منصوبا ليطابق الجواب السؤال، وقد جوزوا عكس ذلك كما تقول في جواب من قال ما رأيت خير: أي المرئي خير، وفى جواب ما الذي رأيت خيرا: أي رأيت خيرا، وقرئ قوله تعالى - ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو - بالرفع والنصب على التقديرين. والإرادة نقيض الكراهة وهى مصدر أردت الشئ:
إذا طلبته نفسك ومال إليه قلبك، وفي حدود المتكلمين الإرادة معنى يوجب للحي حالا لأجلها يقع منه الفعل على وجه دون وجه. وقد اختلفوا في إرادة الله، فبعضهم على أن للباري مثل صفة المريد منا التي هي القصد وهو أمر زائد على كونه عالما غير ساه، وبعضهم على أن معنى إرادته لأفعاله هو أنه فعلها وهو غير ساه ولا مكره.
ومعنى إرادته لأفعال غيره أنه أمر بها، والضمير في أنه الحق للمثل أو لأن يضرب، وفى قولهم - ماذا أراد الله بهذا مثلا - استرذال واستحقار كما قالت عائشة رضي الله عنها في عبد الله بن عمرو بن العاصي: يا عجبا لا بن عمرو هذا (مثلا) نصب على التمييز كقولك لمن أجاب بجواب غث ماذا أردت بهذا جوابا، ومن حمل سلاحا رديا
(٢٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 260 261 263 264 265 266 267 268 269 270 271 ... » »»