____________________
ومنه بعض الشئ لأنه قطعة منه والبعوض في أصله صفة على فعول كالقطوع فغلبت وكذلك الخموش (فما فوقها) فيه معنيان: أحدهما فما تجاوزها وزاد عليها في المعنى الذي ضربت فيه مثلا وهو القلة والحقارة نحو قولك لمن يقول فلان أسفل الناس وأنذلهم هو فوق ذاك تريد هو أبلغ وأعرق فيما وصف به من السفالة والنذالة والثاني فما زاد عليها في الحجم كأنه قصد بذلك رد ما استنكروه من ضرب المثل بالذباب والعنكبوت لأنهما أكبر من البعوضة كما تقول لصاحبك وقد ذم من عرفته يشح بأدنى شئ فقال فلان بخل بالدرهم والدرهمين هو لا يبالي أن يبخل بنصف درهم فما فوقه تريد بما فوقه ما بخل فيه وهو الدرهم والدرهمان كأنك قلت فضلا عن الدرهم والدرهمين ونحوه في الاحتمالين ما سمعناه في صحيح مسلم عن إبراهيم عن الأسود قال دخل شباب من قريش على عائشة رضي الله عنها وهى بمنى وهم يضحكون فقالت ما يضحككم؟ قالوا فلان خر على طنب فسطاط فكادت عنقه أو عينه أن تذهب فقالت لا تضحكوا إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة " يحتمل فما عدا الشوكة وتتجاوزها في القلة وهى نحو نخبة النملة في قوله عليه الصلاة والسلام " ما أصاب المؤمن من مكروه فهو كفارة لخطاياه حتى نخبة النملة وهى عضتها " ويحتمل ما هو أشد من الشوكة وأوجع كالخرور على طنب الفسطاط فإن قلت كيف يضرب المثل بما دون البعوضة وهى النهاية في الصغر؟ قلت: ليس كذلك فإن جناح البعوضة أقل منها وأصغر بدرجات، وقد ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلا للدنيا وفى خلق الله حيوان أصغر منها ومن جناحها ربما رأيت في تضاعيف الكتب العتيقة دويبة لا يكاد يجليها للبصر الحاد إلا تحركها فإذا سكنت فالسكون يواريها ثم إذا لوحت لها بيدك حادت عنها وتجنبت مضرتها فسبحان من يدرك صورة تلك وأعضاءها الظاهرة والباطنة وتفاصيل خلقتها ويبصر بصرها ويطلع على ضميرها ولعل في خلقه ما هو أصغر منها وأصغر سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون وأنشدت لبعضهم:
يا من يرى مد البعوض جناحها * في ظلمة الليل البهيم الأليل ويرى عروق نياطها في نحرها * والمخ في تلك العظام النحل اغفر لعبد تاب من فرطاته * ما كان منه في الزمان الأول
يا من يرى مد البعوض جناحها * في ظلمة الليل البهيم الأليل ويرى عروق نياطها في نحرها * والمخ في تلك العظام النحل اغفر لعبد تاب من فرطاته * ما كان منه في الزمان الأول