الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٢٧٣
قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين وقلنا يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فأزلهما الشيطان عنها
____________________
الفوائد كلها ما يستأهلون لأجله أن يستخلفوا، فأراهم بذلك وبين لهم بعض ما أجمل من ذكر المصالح في استخلافهم في قوله إني أعلم ما لا تعملون - وقوله (ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض) استحضار لقوله لهم إني أعلم ما لا تعلمون إلا أنه جاء به على وجه أبسط من ذلك وأشرح. وقرئ " وعلم آدم " على البناء للمفعول وقرأ عبد الله " عرضهن " وقرأ أبى " عرضها " والمعنى عرض مسمياتهن أو مسمياتها لأن العرض لا يصح في الأسماء وقرئ " أنبيهم " بقلب الهمزة ياء " وأنبهم " بحذفها والهاء مكسورة فيهما. السجود لله تعالى على سبيل العبادة ولغيره على وجه التكرمة كما سجدت الملائكة لآدم وأبو يوسف وإخوته له ويجوز أن تختلف الأحوال والأوقات فيه وقرأ أبو جعفر " للملائكة اسجدوا " بضم التاء للاتباع ولا يجوز استهلاك الحركة الإعرابية بحركة الإتباع إلا في لغة ضعيفة كقولهم الحمد لله (إلا إبليس) استثناء متصل لأنه كان جنيا واحدا بين أظهر الألوف من الملائكة مغمورا بهم فغلبوا عليه في قوله فسجدوا، ثم استثنى منهم استثناء واحد منهم، ويجوز أن يجعل منقطعا (أبى) امتنع مما أمر به (واستكبر) عنه (وكان من الكافرين) من جنس كفرة الجن وشياطينهم فلذلك أبى واستكبر كقوله - كان من الجن ففسق عن أمر ربه - السكنى من السكون لأنها نوع من اللبث والاستقرار.
و (أنت) تأكيد للمستكن في أسكن ليصح العطف عليه و (رغدا) وصف للمصدر أي أكلا رغدا واسعا رافها و (حيث) للمكان المبهم أي أي مكان من الجنة (شئتما) أطلق لهما الأكل من الجنة على وجه التوسعة البالغة المزيحة للعلة حين لم يحظر عليهما بعض الأكل ولا بعض المواضع الجامعة للمأكولات من الجنة حتى لا يبقى لهما عذر في التناول من شجرة واحدة من بين أشجارها الفائتة للحصر وكانت الشجرة فيما قيل الحنطة أو الكرمة أو التينة وقرئ " ولا تقربا " بكسر التاء " وهذى و" الشجرة " بكسر الشين والشيرة بكسر الشين والياء وعن أبي عمرو أنه كرهها وقال: يقرأ بها برابرة مكة وسودانها (من الظالمين) من الذين ظلموا أنفسهم بمعصية الله فتكونا جزم عطف على تقربا أو نصب جواب للنهي. الضمير في (عنها) لشجرة أي فحملهما الشيطان على الزلة بسببها وتحقيقه فأصدر الشيطان زلتهما عنها، و" عن " هذه مثلها في قوله تعالى - وما فعلته عن أمري - وقوله ينهون عن أكل وعن شرب وقيل فأزلهما عن الجنة بمعنى أذهبهما عنها وأبعدهما كما تقول زل عن مرتبته وزل
(٢٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 ... » »»