فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة،
____________________
يعني بذنب التولي عن حكم الله وإرادة خلافه، فوضع ببعض ذنوبهم موضع ذلك، وأراد أن لهم ذنوبا جمة كثيرة العدد، وأن هذا الذنب مع عظمه بعضها وواحد منها، وهذا الابهام لتعظيم التولي واستسرافهم في ارتكابه، ونحو البعض في هذا الكلام ما في قول لبيد * أو يرتبط بعض النفوس حمامها * أراد نفسه وإنما قصد تفخيم شأنها بهذا الابهام كأنه قال: نفسا كبيرة ونفسا أي نفس، فكما أن التنكير يعطي معنى التكبير وهو معنى البعضية فكذلك إذا صرح بالبعض (لفاسقون) لمتمردون في الكفر معتدون فيه: يعني أن التولي عن حكم الله من التمرد العظيم والاعتداء في الكفر (أفحكم الجاهلية يبغون) فيه وجهان: أحدهما أن قريظة والنضير طلبوا إليه أن يحكم بما كان يحكم به أهل الجاهلية من التفاضل بين القتلى. وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: القتلى بواء، فقال بنو النضير: نحن لا نرضى بذلك فنزلت. والثاني أن يكون تعييرا لليهود بأنهم أهل كتاب وعلم، وهم يبغون حكم الملة الجاهلية التي هي هوى وجهل لا تصدر عن كتاب ولا ترجع إلى وحي من الله تعالى. وعن الحسن: هو عام في كل من يبغي غير حكم الله. والحكم حكمان: حكم بعلم فهو حكم الله، وحكم بجهل فهو حكم الشيطان. وسئل طاوس عن الرجل يفضل بعض ولده على بعض فقرأ هذه الآية. وقرئ تبغون بالتاء والياء، وقرأ السلمي أفحكم الجاهلية يبغون برفع الحكم على الابتداء وإيقاع يبغون خبرا وإسقاط الراجع عنه كإسقاطه عن الصلة في - أهذا الذي بعث الله رسولا - وعن الصفة في الناس رجلان رجل أهنت ورجل أكرمت، وعن الحال في مررت بهند يضرب زيد. وقرأ قتادة أفحكم الجاهلية، على أن هذا الحكم الذي يبغونه إنما يحكم به أفعى نجران أو نظيره من حكام الجاهلية، فأرادوا بسفههم أن يكون محمد خاتم النبيين حكما كأولئك الحكام. اللام في قوله (لقوم يوقنون) للبيان كاللام في هيت لك: أي هذا الخطاب وهذا الاستفهام لقوم يوقنون فإنهم الذين يتيقنون أن لا أعدل من الله ولا أحسن حكما منه. لا تتخذوهم أولياء تنصرونهم وتستنصرونهم وتؤاخونهم وتصافونهم وتعاشرونهم معاشرة المؤمنين ثم علل النهي بقوله (بعضهم أولياء بعض) أي إنما يوالي بعضهم بعضا لاتحاد ملتهم واجتماعهم في الكفر فما لمن دينه خلاف دينهم ولموالاتهم (ومن يتولهم منكم فإنه) من جملتهم وحكمه حكمهم وهذا تغليظ من الله وتشديد في وجوب مجانبة المخالف في الدين واعتزاله كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تراءى ناراهما) ومنه قوله عمر رضي الله عنه لأبي موسى في كاتبه النصراني: لا تكرموهم إذ أهانهم الله، ولا تأمنوهم إذ خونهم الله، ولا تدنوهم إذ أقصاهم الله. وروي أنه قال له أبو موسى لأقوام للبصرة إلا به فقال مات النصراني والسلام: يعني هب أنه قد مات فما كنت تكون صانعا حينئذ فاصنعه الساعة واستغن عنه بغيره (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) يعني الذين ظلموا أنفسهم بموالاة الكفر يمنعهم الله ألطافه ويخذلهم مقتا لهم (يسارعون فيهم)