الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٦٢٣
أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله واسع عليم. إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون. ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون. يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا
____________________
أو بقوم غيرهم أو ما أشبه ذلك (أذلة) جمع ذليل وأما ذلول فجمعه ذال، ومن زعم أنه من الذل الذي هو نقيض الصعوبة فقد غبي عنه أن ذلولا لا يجمع على أذلة. فإن قلت: هلا قيل أذلة للمؤمنين أعزة على الكافرين؟
قلت: فيه وجهان: أحدهما أن يضمن الذل معنى الحنو والعطف كأنه قيل: عاطفين عليهم على وجه التذلل والتواضع. والثاني أنهم مع شرفهم وعلو طبقتهم وفضلهم على المؤمنين خافضون لهم أجنحتهم ونحوه قوله عز وجل - أشداء على الكفار رحماء بينهم - وقرئ أذلة وأعزة بالنصب على الحال (ولا يخافون لومة لائم) يحتمل أن تكون الواو للحال على أنهم يجاهدون وحالهم في المجاهدة خلاف حال المنافقين، فإنهم كانوا موالين لليهود لعنت، فإذا خرجوا في جيش المؤمنين خافوا أولياءهم اليهود فلا يعملون شيئا مما يعلمون أنه يلحقهم فيه لوم من جهتهم. وأما المؤمنون فكانوا يجاهدون لوجه الله لا يخافون لومة لائم قط، وأن تكون للعطف على أن من صفتهم المجاهدة في سبيل الله، وأنهم صلاب في دينهم إذا شرعوا في أمر من أمور الدين إنكار منكر أو أمر بمعروف مضوا فيه كالمسامير المحماة لا يرعبهم قول قائل ولا اعتراض معترض ولا لومة لائم، يشق عليه جحدهم في إنكارهم وصلابتهم في أمرهم. واللومة المرة من اللوم، وفيها وفي التنكير مبالغتان كأنه قيل: لا يخافون شيئا قط من لوم أحد من اللوام و (ذلك) إشارة إلى ما وصف به القوم من المحبة والذلة والعزة والمجاهدة وانتفاء خوف اللومة (يؤتيه) يوفق له (من يشاء) ممن يعلم أن له لطفا (واسع) كثير الفواضل والالطاف (عليم) بمن هو من أهلها. عقب النهي عن موالاة من تجب معاداتهم ذكر من تجب موالاتهم بقوله تعالى (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) ومعنى إنما وجوب اختصاصهم بالموالاة. فإن قلت: قد ذكرت جماعة فهلا قيل إنما أولياؤكم؟ قلت: أصل الكلام إنما وليكم الله، فجعلت الولاية لله على طريق الأصالة، ثم نظم في سلك إثباتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على سبيل التبع، ولو قيل: إنما أولياؤكم الله ورسوله والذين آمنوا لم يكن في الكلام أصل وتبع. وفي قراءة عبد الله إنما مولاكم. فإن قلت: (الذين يقيمون) ما محله؟ قلت: الرفع على البدل من الذين آمنوا، أو على هم الذين
(٦٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 617 618 619 620 621 623 624 625 626 627 628 ... » »»