الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٦١٥
إنا أنزلنا التوارة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا
____________________
بالمؤمنين بكتابهم كما يدعون، أو وما أولئك بالكاملين في الايمان على سبيل التهكم بهم. فإن قلت: فيها حكم الله ما موضعه من الاعراب؟ قلت: إما أن ينتصب حالا من التوراة وهي مبتدأ خبره عندهم، وإما أن يرتفع خبرا عنها كقولك: وعندهم التوراة ناطقة بحكم الله، وإما أن لا يكون له محل وتكون جملة مبينة لان عندهم ما يغنيهم وعن التحكيم كما تقول عندك زيد ينصحك ويشير عليك بالصوب فما تصنع بغيره. فإن قلت: لم أنثت التوراة قلت: لكونها نظيرة الموماة ودوداة ونحوها في كلام العرب. فإن قلت: علام عطف ثم يتولون؟ قلت: على يحكمونك (فيها هدى) يهدي للحق والعدل (ونور) يبين ما استبهم من الاحكام (الذين أسلموا) صفة أجريت على النبيين على سبيل المدح كالصفات الجارية على القديم سبحانه لا للتفصلة والتوضيح، وأريد بإجرائها التعريض باليهود وأنهم بعداء من ملة الاسلام التي هي دين الأنبياء كلهم في القديم والحديث وأن اليهودية بمعزل منها، وقله (الذين أسلموا للذين هادوا) مناد على ذلك (والربانيون والأحبار) والزهاد والعلماء من ولد هارون الذين التزموا طريقة النبيين وجانبوا دين اليهود (بما استحفظوا من كتاب الله) بما سألهم أنبياؤهم حفظه من التوراة أي بسبب سؤال أنبيائهم إياهم أن يحفظوه من التغيير والتبديل ومن في من كتاب الله للتبيين (وكانوا عليه شهداء) رقباء لئلا يبدل. والمعنى: يحكم بأحكام التوراة النبيون بين موسى وعيسى وكان بينهما ألف نبي وعيسى للذين هادوا يحملونهم على أحكام التوراة لا يتركونهم أن يعدلوا عنها كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حملهم على حكم الرجم وإرغام أنوفهم وإبائه عليهم ما اشتهوه من الجلد، وكذلك حكم الربانيون والأحبار المسلمون بسبب ما استحفظهم أنبياؤهم من كتاب الله والقضاء بأحكامه وبسبب كونهم عليه شهداء، ويجوز أن يكون الضمير في استحفظوا للأنبياء والربانيين والأحبار جميعا، ويكون الاستحفاظ من الله: أي كلفهم الله حفظه وأن يكونوا عليه شهداء (فلا تخشوا الناس) نهي للحكام عن خشيتهم غير الله في حكوماتهم وإدهانهم فيها وإمضائها على خلاف ما أمروا به من العدل لخشية سلطان ظالم أو خيفة أذية أحد من القرباء والأصدقاء (ولا تشتروا) ولا تستبدلوا ولا تستعيضوا (بآياتي) وأحكامي (ثمنا قليلا) وهو الرشوة وابتغاء الجاه ورضا الناس كما حرف أحبار
(٦١٥)
مفاتيح البحث: الشهادة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 610 611 612 613 614 615 616 617 618 619 620 ... » »»