الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٦٠٨
فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين. فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين. من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل
____________________
الشنيع ولذلك أكده بالباء المؤكدة للنفي (فطوعت له نفسه قتل أخيه) فوسعته له ويسرته من طاع له المرتع إذا اتسع. وقرأ الحسن فطاوعت، وفيه وجهان: أن يكون مما جاء من فاعل بمعنى فاعل، وأن يراد أن قتل أخيه كأنه دعا نفسه إلى الاقدام عليه فطاوعته ولم تمتنع وله الزيادة الربط كقولك حفظت لزيد ماله، وقيل قتل وهو ابن عشرين سنة وكان قتله عند عقبة حراء، وقيل بالبصرة في موضع المسجد الأعظم (فبعث الله غرابا) روي أنه أول قتيل قتل على وجه الأرض من بني آدم، ولما قتله تركه بالعراء لا يدري ما يصنع به فخاف عليه السباع فحمله في جراب على ظهره سنة حتى أروح، وعكفت عليه السباع فبعث الله غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما الآخر فحفر له بمنقاره ورجليه ثم ألقاه في الحفرة (قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب) ويروى أنه لما قتله اسود جسده وكان أبيض، فسأله آدم عن أخيه فقال: ما كنت عليه وكيلا فقال بل قتلته ولذلك اسود جسدك. وروي أن آدم مكث بعد قتله مائة سنة لا يضحك، وأنه رثاه بشعر وهو كذب بحت، وما الشعر إلا منحول ملحون. وقد صح أن الأنبياء عليهم السلام معصومون من الشعر (ليريه) ليريه الله أو ليريه الغراب: أي ليعلمه لأنه لما كان سبب تعليمه فكأنه قصد تعليمه على سبيل المجاز (سوءة أخيه) عورة أخيه وما لا يجوز أن ينكشف من جسده، والسوءة الفضيحة لقبحها، قال: يا لقوم للسوءة السوآء: أي للفضيحة العظيمة فكنى بها عنها (فأواري) بالنصب على جواب الاستفهام. وقرئ بالسكون على فأنا أواري أو على التسكين في موضع النصب للتخفيف (من النادمين) على قتله لما تعب فيه من حمله وتحيره في أمره وتبين له من عجزه وتلمذه للغراب واسوداد لونه وسخط أبيه ولم يندم ندم التائبين (من أجل ذلك) بسبب ذلك وبعلته وقيل أصله من أجل شرا إذا جناه يأجله أجلا، ومنه قوله:
وأهل خباء صالح ذات بينهم قد احتربوا في عاجل أنا آجله كأنك إذا قلت من أجلك فعلت كذا، أردت من أن جنيت فعلته وأوجبته، ويدل عليه قولهم: من جراك فعلته: أي من أن جررته بمعنى جنيته، وذلك إشارة إلى القتل المذكور: أي من أن جنى ذلك القتل الكتب وجره (كتبنا على بني إسرائيل) ومن لابتداء الغاية: أي ابتدأ الكتب ونشأ من أجل ذلك، ويقال فعلت كذا لأجل كذا، وقد يقال أجل كذا بحذف الجار وإيصال الفعل قال: أجل أن الله قد فضلكم. وقرئ من أجل
(٦٠٨)
مفاتيح البحث: القتل (1)، الخسران (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 603 604 605 606 607 608 609 610 611 612 613 ... » »»