الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٦٢٥
قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت
____________________
مع أن أكثركم فاسقون ويجوز أن يكون تعليلا معطوفا على تعليل محذوف كأنه قيل: وما تنقمون منا إلا الايمان لقلة إنصافكم وفسقكم واتباعكم الشهوات، ويدل عليه تفسير الحسن بفسقكم نقمتم ذلك علينا. وروي (أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من اليهود فسألوه عمن يؤمن به من الرسل فقال: أومن بالله وما أنزل إلينا إلى قوله ونحن له مسلمون، فقالوا حين سمعوا ذكر عيسى عليه السلام: ما نعلم أهل دين أقل حظا في الدنيا والآخرة منكم، ولا دينا شرا من دينكم فنزلت). وعن نعيم بن ميسرة وإن أكثركم بالكسر، ويحتمل أن ينتصب وأن أكثركم بفعل محذوف يدل عليه هل تنقمون: أي ولا تنقمون أن أكثركم فاسقون، أو يرتفع على الابتداء والخبر محذوف: أي وفسقكم ثابت معلوم عندكم لأنكم علمتم أنا على الحق وأنكم على الباطل، إلا أن حب الرياسة وكسب الأموال لا يدعكم فتنصفوا (ذلك) إشارة إلى المنقوم ولا بد من حذف مضاف قبله أو قبل من تقديره بشر من أهل ذلك أو دين من لعنه الله، و (من لعنه الله) في محل الرفع على قولك هو من لعنه الله كقوله تعالى - قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار - أو في محل الجر على البدل من شر. وقرئ مثوبة ومثوبة ومثالهما مشورة ومشورة.
فإن قلت: المثوبة مختصة بالاحسان فكيف جاءت في الإساءة. قلت: وضعت المثوبة موضع العقوبة على طريقة قوله: * تحية بينهم ضرب وجيع * ومنه - فبشرهم بعذاب أليم - فإن قلت: المعاقبون من الفريقين هم اليهود فلم شورك بينهم في العقوبة؟ قلت: كان اليهود لعنوا يزعمون أن المسلمين ضالون مستوجبون للعقاب فقيل لهم من لعنه الله شر عقوبة في الحقيقة واليقين من أهل الاسلام فزعمكم ودعواكم (وعبد الطاغوت) عطف على صلة من كأنه قيل ومن عبد الطاغوت، وفي قراءة أبي وعبدوا الطاغوت على المعنى. وعن ابن مسعود ومن عبدوا، وقرئ وعابد الطاغوت عطفا على القردة وعابدي وعباد وعبد وعبد، ومعناه: الغلو في العبودية كقولهم:
رجل حذر وفطن للبليغ في الحذر والفطنة، قال:
أبني لبيني إن أمكم * أمة وإن أباكمو عبد
(٦٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 619 620 621 623 624 625 626 627 628 629 630 ... » »»